6 حزيران 2023 12:00ص دعوا الوردة تتفتّح

حجم الخط
هي دعوة حتما، لإزالة جميع أنواع المعوقات، من أمام جيل الشباب، حتى ينطلق في التفتّح، مثل زهرة، مثل وردة، مثل روض من الزهر والورد.
ما معنى أن يجد الروض نفسه، قاحلا من الخضرة. ما أقسى معاناته من اليبوسة، ما أصعب أن يمرّ عليه يوم، ولا تحوم فوقه فراشة أو نحلة، فلا تجد لقاحا، فلا تجد أقاحا، فلا تجد ماء، فلا تجد شيئا من العطر، فلا تجد شيئا من الشعر.
«دعْ ألف زهرة تتفتّح»، يقول المثل الصيني. وأما أنا فأقول: دعوا الوردة تتفتّح. دعوا جيلا من الورد يتفتّح.. لأن البلاد عطشى لجيل من الورد، لجيل من الزهر، يحمل عطره على كفيه، يطير، يحلّق، فتتبعه أسراب من الطير، فتغدو البلاد أبهى وأجمل.
أقسى ما تصاب به البلاد، أن تجد جيل الشباب، يتحوّل عن الشعر، يتحوّل عن الفن، يتحوّل عن سحر الفنون، الذي تنمو على جذعه غابات من نخيل، وغابات من صنوبر، تنمو على جذعه الأكمات، وتخضر الهضبات، تتراقص الهضبة خضرة، وتخضل العروق. أقسى ما تصاب به البلاد، أن تعاني من الجفاف في عروقها، فلا تسمع كركرة ينبوع، ولا ترى جدول ماء، ولا ترى عصفورا يزقزق في الصباح، ولا ترى نجمة تضوء في سماء البلاد.
جيل الشباب، جيل الشعر، هو ما يجعل البلاد تراقص الفراشات، تراقص الينابيع، تراقص الأنسام، تتراقص مع مساكب الزهر والورد. ومن هنا، تكون الدعوة اليومية، لجيل الشباب، أن يتفتّح على الشعر، على الفن، على أي فن من فنون الحياة. أليس هو جيل للبناء بالحياة؟!
لماذا الشباب؟.. لماذا الشعر؟.. التساؤل هنا مشروع، والتساؤل هنا، في الوقت عينه، ممنوع. مشروعية السؤال عن معنى الشعر، قرينها مشروعية الحث اليومي، والكد اليومي في الطريق إلى الشعر. فما معنى أن تكون شابا، ولا يكون لك أدنى مسكة بالشعر!.. لا يكون لك أدنى مسكة بالفن!
ليس دفاعا عن الشعر، مثل هذا الحض، الذي لا يألو بدفع الشباب، إلى ذرى الشعر، إلى ذرى الفن. فلا معنى لجيل الشباب، إذا لم يكونوا كوكبة من النار، كوكبة من الأحلام، كوكبة من الآمال، كوكبة من الشعراء، كوكبة من نار، ومن شعر.
مقياس جيل الشباب، مثل هذه الأحلام والآمال التي تعمر بها صدورهم. وهذا هو لعمري، أول الدرب إلى الشعر. فلا يقاس جيل على جيل من الشباب، إلّا بمقدار أحلامه وآماله. فهل نقبل، بل نكتفي بجيل من الشباب من لحم ودم، فقط، ولا نسأل: أين الحلم؟ أين الشعر؟ أين الفن؟!
أضعنا الشباب حتما، حين نكون قد أضعنا من صدورهم جذوة الشعر، حين نكون قد أضعنا فاعليتهم، في الرصد، وفي البناء. وفي الإندفاع، وفي الوفاء، فالشعر هو كل هذا، والشعر يعلم كل هذا. ألم يكن الشاعر الشاب، في تاريخه كله، عالم ومتعلم، في آن. يأخذ من فنون الحياة، بمقدار ما يعطي من فنون الحياة. وهذه الجدالية اليومية في صدور الشباب، إنما هي لوحة الشعر. فتعالوا نصوّب عليها، تعالوا نجعل البوصلة تتجه دائما إليها، ونجعل كل طرقنا أيضا إليها.. تعالوا نسير كوكبة كوكبة، إلى حقول الشعر، يجد فيه كل شاب مغناه، يجد فيه حلمه وأمله ووعده، فيبدأ كل يوم مشواره على دعوة، هي حقا دعوة له:
دعوا الوردة تتفتّح!

أستاذ في الجامعة اللبنانية