بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 نيسان 2024 12:00ص رحيل الأب إميل الحاج

حجم الخط
معلّم الأجيال هو. بقي حتى سن متقدمة أوفر حماسة من الشباب، وظل عاملا دؤوبا، ينشئ النفائس من الكتب، ويصل سيره بسراه، في سبيل قدسية القلم وطليعيته، وهذا كله ليس طلبا للمال، عصب الحياة الدنيا، فهو ميسور من أسرة مغدوشية رائدة. سرّه قوة إرادته. لبث رياضيا حتى سن متأخرة، يمشي طويلا وذهنه ثاقب لا يشرد، وذاكرته قوية لا تخون. إنه نموذج الرجل الرجل، والعالم العالم، والمترهبن لدعوته السماوية.
طواه الموت في الزمن الفصحي، فكان لهذا النبأ وقع أليم في قلبي وقلوب أصدقائه وطلابه، هو الذي سلخ العمر ينشط في حقل اللغة، ويحاول بما أوتي من سرعة خاطر، وطريف نكتة، وخفّة روح، إشاعة جو من الانس في نفوس من ألفوا قراءة درره، وقد راقتني، سحابة سنين مديدة، تلك الروح الصافية التي سيّرت حياته، ولا سيما في لقاءاتنا قبيل تدريسي في المعهد البولسي الجامعي خلال عشرات من السنين.
آمن بربه يعتمد على عنايته في ما اعترض سبيله من صعوبات، وقد تمشّى في إيمانه الراسخ على خطى آبائه وأجداده ومعلّميه من جمعية الآباء البولسيين، وكان بينهم من جاهد في حقل الكتابة والإبداع والتقوى أمثال المغفور لهم المطران نقولا نعمان والأب أنطون حبيب والمؤسس المطران جرمانوس معقد.
أخسر بغيابه صديقا لم اختلف معه إلّا على شؤون اللغة. بذل لآلاف من المشرقيين ثقافة عالية، ورأى بعضهم، مستحقين، يحتلّون مراكز ذات شأن، فكان منهم السفير والنائب والمواطن الصالح وخصوصا أدباء نشروا تراثنا بما وضعوا فيه من دراسات واشرفوا على إحيائه من حفلات تردد أصداء الماضي البعيد وتذكّر الأجيال الصاعدة فعلا بتاريخ آباء لهم وأجداد. فظلت أعلام الحرية، ولو بدرجات، خفّاقة فوق رؤوسهم، على الرغم مما استهدفوا له من كبت وعنت واضطهاد.
لذلك كله، يرتحل الأب إميل الحاج، والاسم فوق كل لقب، عن هذه الدنيا بالجسد، ولكنه حيّ في ما ومن ترك من بعده، مصحوب بالدعاء إلى بارئ الأكوان أن يتغمد روحه الطيبة بوافر عفوه ورضوانه.
د. جهاد نعمان - جبيل/ حارة المرجان
أستاذ في معهد القديس بولس للفلسفة واللاهوت خلال ٤٥ سنة