بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 تشرين الثاني 2023 12:00ص سلة المهملات

حجم الخط
كل ورقة تالفة نذهب بها فورا، وبلا تردد إلى سلة المهملات. كل القصاصات، كل الكتابات التي لم تعد تهمّنا، نذهب بها إلى سلة المهملات. كل الخطابات التي تصلنا، ولا نريد الإحتفاظ، نذهب بها إلى سلة المهملات.
كثيرا ما نفرغ صندوقة البريد الأسبوعي، في سلة المهملات، بعد أن نستعين بالمفرمة. نفرم أيضا جميع الأوراق التي تكدّست لدينا، ولم يعد لها حاجة. نودّعها بكل تؤدة، بكل رصانة، بكل حصافة، بكل إنتباه. نودّعها بعد فرمها، سلة المهملات.
اليوم صرنا نطلب من سلة المهملات، أن تتسع للقرارات: قرارات الإدارات، وقرارات الوزارات، وقرارات اللجان، وقرارات الحكومات.. أن تتسع للمراسيم، للقوانين. أن تتسع لدستور البلاد. وأن تتسع أيضا، وبالمماثل، لكتابات الإدارات، لمراسلات الوزارات، لإحالات كثيرة، فقدت قيمتها، فَقدَ موضوعها قيمته، ولم تعد لنا به أية حاجة.
لماذا نحيل القضايا إلى دوائر القضايا، ما دمنا نعلم مسبقا، أن مصيرها التخزين. أن مصيرها الجراذين. أن مصيرها العت الذي يضرب الأرشيف.. بل أن مصيرها التلف. أن مصيرها الفرم. أن مصيرها إعادة التدوير، ليس من دوائر التنفيذ، وإنما من سلال المهملات.
أحاديث الشخصيات المرموقة، وكذا ومواقفهم المعلنة على الملأ، من فوق السطوح، من فوق المنابر، يأخذها اليوم الناس عموم الناس، قصاصات، قصاصات، إلى المفرمة ويتخلصون من رائحتها العطنة، في سلة المهملات.
زعماء ووزراء يصرحون على المنابر. يستعرضون ذقونهم وياقاتهم. يستعرضون قاماتهم، رؤوسهم تدق بالسقف.. يسارع الناس إلى حمل تصاريحهم الطازجة، وفرمهما ورميها في سلة المهملات، بعد تكفيتها بمناديل القيء، التي يقيء عليها الصغار والكبار، لشدّة ما يرون فيها من أذى، لشدة ما يرون فيها من تبخيث وتفخيت، لشدّة ما يرون فيها من تطاول، من تشاوف، ومن شوفونية، أين منها شوفونية الجبابرة والطغاة!
خطابات قادة يقال عنهم في المجالس، إنهم حصفاء، يسارع أهل الشاشات الصغيرة، لمسحها، وحملها إلى سلال المهملات. خطب رؤساء ووزراء بلا حياء، يكذبون على الناس منذ أعوام، أنهم سيفعلون ويفعلون. وأنهم سيقدمون ويقدمون، وأنهم سوف يكونون إلى جانب الشعب، إلى جانب الناس.. يسارع الناس أنفسهم، بعد التجارب المريرة معهم، بعد البطلان والخذلان لحمل وعودهم كلها، إلى سلال المهملات.
سلال المهملات اليوم، يجب أن يتسع صدرها للقضايا الوطنية التالفة، للقضايا القومية التالفة، للقضايا المركزية التي خوض الناس، جميع الناس في حروبها. سلال المهملات، ندعوها لأن تصبر علينا أيضا: حنّطنا العدالة، حنّطنا الديمقراطية، حنّطنا أيضا الكرامة والحرية. ولم يعد بنا حاجة لأوراقها. فها نحن نعدّها للفرم، ونتخلص منها، عندما تلوح لنا تباشير أول فرصة للإنتخابات، بُعيد الإجتماعات المتتالية، في سلال المهملات.
حقيقة، لم نعد بحاجة إلّا إلى سلال المهملات، نودّع فيها قضايانا اليومية غير النافذة، وقضايانا الوطنية التي أصبحنا نترحّم على أيامها، وقضايانا القومية والإنسانية، التي أنتنت، وفاحت ريحها علينا.
أذكر مرة كيف حمل جارنا المثقف والمناضل المرموق في برهة الخذلان، مكتبة كاملة، أهديت له من اللجان الثورية، إلى مكب النفايات، بعد أن صبر على رائحتها العطنة نصف قرن.
تعالوا إذا، لنؤسس جمعية خاصة، بسلال المهملات. فلم نعد بعد بحاجة إلّا إلى سلة المهملات!

أستاذ في الجامعة اللبنانية