بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 أيار 2022 12:00ص صندوق النقد

حجم الخط
لا أتحدث ها هنا، عن صندوق العملات، وإنما أتحدث عن صندوق الكلمات. لا فروق كثيرة بين الكلمة والعملة, لأن الكلمة عملة رمزية, بينما العملة، هي كلمة مادية. وصندوق النقد بهذا المعنى، له وجهان: الوجه المادي، والوجه الرمزي. ولهذا تراه يحوز على الجائزتين: الجائزة المادية والجائزة الرمزية. لا يوفّر صندوق النقد، المال وحده، بل يحتفظ بالكلام. وربما كان الكلام، أقسى من المال، وربما كان المال أملس من الكلام. صندوق النقد إذن، هو صندوق المال وصندوق الكلام، في آن.
يحتاج لبنان، للعودة إلى صندوق النقد، إلى كلام كثير يضعه فيه، حتى يحصل منه على مال قليل. عليه أن يتكلم قبل أن يتسلم، عليه أن يقول: أين أنفقت الأموال التي أخذها سابقا بلا شرح ولا تفصيل ولا توضيح؟ عليه أن يوضح للصندوق أين الكلام القديم، مقابل المال القديم؟ وأين الكلام الجديد، مقابل المال الجديد؟ إذ صندوق النقد، هو الصندوق، وهو محايد تماما، ولا شأن له في الإنحياز. يريد فقط، تثبيت المعادلة: كل مال، له كلام يعادله. وكلاهما وجهان لصندوق واحد، هو صندوق النقد.
النقد، ونقد النقد، كلاهما اليوم في صندوق النقد، أمام لبنان. فلا يأخذ منه قرشا واحدا، ما لم يضع قبالته كلاما واضحا، في وجه الإنفاق. فقد تعلّم الصندوق بالممارسة مع اللبنانيين، فنهم بالمماكسة. عرفهم، من فئة الشطار المماكسين، الذين يأخذون من الصندوق، المال الصريح، مقابل الكلام الزائف.. مقابل الكلام الوهمي. كان كلامهم في الليل، يمحوه النهار. صندوق النقد، أعياه اللبنانيون. وجد، طيلة العهود السابقة، وطيلة الحكومات السابقة، وطيلة المجالس السابقة، كيف كان الممثلون، يلطشون المال من صندوق النقد لطشا.. كيف كانوا يقدمون له العروض الزائفة، والأوراق الزائفة، والكلام الزائف. كيف كانوا يبررون بالنتائج الزائفة، وينهبون المال نهبا، ويوزعونه على المحاسيب، بلا قال ولا قيل.
كانت التسهيلات، التي يقدمها صندوق النقد، ضنّا بمعاناة اللبنانيين من الحروب.. ضنّا بالكوارث التي جنت عليهم.. ضنّا بالأهوال التي عاشوها. كانت دفعا للمصائب التي وقعت على رؤوسهم طيلة عقود.
صندوق النقد، غيره في الماضي القريب.. تعلّم من الرهانات الخاطئة.. تعلّم من الأكاذيب.. تعلّم من فنون التزوير والتدليس، وتعظيم الحقير، وتحقير العظيم، طمعا بالمال على عجل، ولو إلى أجل قصير. صندوق النقد له اليوم كلام كثير، عن الحوالات المقبوضة، وعن الحوالات المصروفة، وعن اللصوص والسراق الذين كانوا في الطريق. لم يضع اللبنانيون إلا الكلام الضائع، مقابل المال الضائع على الصندوق. فلا حقائق للصندوق.. ولا كلام، يقابل المال. لا كلام عن المال المصروف.. لا كلام عن المال المنهوب.. تصف ألسنتهم الكذب، في جميع ما يقولون.
صندوق النقد اليوم بالمرصاد للأكاذيب. فلم تعد تنطلي عليه الأمور، يريد صون المعادلة الذهبية: كلام سليم، لمال سليم، بلا عيوب.
أستاذ في الجامعة اللبنانية