بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 كانون الثاني 2024 12:00ص عقل العويط «السيّد Cooper وتابعُهُ»

حجم الخط
«لو تعرف، يا كوبر، كم يشتهي كائن مثلي، أن يرى إلى بعض حياته مروياً بسينما عينيك، ونبرات صوتك، وحبر حياتك».
يطرح الروائي عقل العويط، لأول مرة، في سوق الأدب، مفهوما جديدا: مفهوم الحداثة البُعدية للرواية، يعمل على وحدة تحكم صممها في عمله: (السيد Cooper وتابعه. دار نوفل)، لتسهّل اللعب على الأشخاص الذين يعانون أمراض العصر: التورم والإنتفاخ والتشاوف والتعالي والإستحواذ والإقتناص والبطنة والشهوة وعدم الإشباع، الذين يعانون  إعاقات مرضية نفسية وشهوية وعقلية متضخمة، إلى حد الجنون، بحيث يضعك من خلال مشهد واحد، أو من خلال جملة واحدة، أمام قطاع من الألعاب الرؤيوية، في عمل روائي بسيط، بحجم الجيب، تحتاجه كلما أردت، أن تجدد النظر، إلى قراءة جملة، أو مقطع، أو فصل، أو مشهد، أو أن، سرعان ما تنشد إلى تيار روائي سينمائي، مسرحي، جاذب، لشخص، ولظل الشخص، لم يمرّ على قلب بشر.
وحدة التحكم الروائي التي صنعها عقل العويط، تقوم على ثنائية الرجل وظله، الرجل وصديقه، الرجل وكلبه، الرجل المتوحد، والمتحد بنفسه، والمتحد أيضا بثنائيه، إنما هو بطول عصا الدهر، إنما هو بطول الأرض، لأنه منجذب إلى الأرض.
وحدة التحكم في هذا العمل الروائي البسيط، حتى ظل الشخص وظل الوردة، وظل سلطان الزمان: قزما أو عملاقا من العماليق، هي التي يبهر بها عقل العويط، قارئه، بحيث يجد نفسه، على أرض رواية، هي لعصر الحداثة الرؤيوية البعدية، التي تجعل من القطاع الروائي، مشروعا لتسهيل فهم الشخصيات الكثيرة، في شخصية واحدة، كأن عقل العويط، فهم من خلال نصف قرن من متابعة الأعمال الروائية: القديمة والجديدة والحديثة  والمعاصرة، أن الحاجة البعدية هي الأهم للقارئ، لأنه في عصر الحداثة البُعدية.
«ها أنا أعيد قراءة ما كتبت، فأعذرني، لأني لست روائيا، ولا كاتب سيرة أريد أن تتأكد من أن النص الذي بين يديك، إجتهد على طريقته، في أن تكون مروياته، أقرب إلى شفافية مراياك».
تحقيق العدالة بين القارئ والبرهة الإستباقية، هو مشروع عقل العويط، في اللغة والشعر والمقالة والقص والرواية. فقط هو إتجاه نراه في قطاع عمله الأدبي، يريد من خلاله ألا يتحمّل القارئ، مسألة تكيّفه مع العمل الكتابي/ الروائي، بل أن تكون وحدة التحكم الفني، مكيّفة مع زمنه، زمن الحداثة البُعدية، الذي ينتظره، قاب قوسين أو أدنى من أجله، من أجل العصر، من أجل الأرض، قبل فوات الأوان.
«كوبر فرد من عائلتي... لم أتردد في الموافقة على إجراء الجراحة... لئلا تتفاقم الإعاقة».
كثافة رؤيوية، في عمل عقل العويط، تجعل من مهمته، تواجه البعدية كلها، بعد الطغيان، بعد الطوفان، وذلك لعدم وجود، ولو شخصين، بعبء واحد، ولعدم وجود عمل روائي، يواجه إعاقة ما بالطريقة عينها.
«كان كوبر صنو هذا الكائن الآخر (الحبيبة أو الزوجة أو الإبنة أو الإبن) الذي لم أقم معه يوما تحت سقف واحد، في السابق من أيام حياتي المنصرمة».
 وضع عقل العويط، نفسه، في مشهد واحد، في جملة واحدة:  «السيد Cooper وتابعه». ثم راح يكيل الريح، وكأنه في إيوان كسرى، يريد المساواة في التوجيه. في مختلف الإتجاهات، لتسهيل الضغط، وتسهيل الفهم، والجمع بين وحدات فنية روائية، لتنفيذ مهمة واحدة: التداني مع البرهة الإستباقية.
«كوبر على مقربة، وأنسي يغط في غرفته في نوم عميق. هذا يكفيني لأتحمّل الأعياد وطقوسها».
هناك أكثر من نقطة تحكم في هذا العمل الروائي، الرؤيوي، الحداثوي، البُعدي. تمثل في أذيال القص الآخاذ، يمسك بها القارئ، لئلا يغرق في اللجة، ويستنقع في القاع مع السيد Cooper، ذلك لأن هذه الشخصية هي دمية القارئ، مثلما هي دمية الكاتب، مهارة في العمل الروائي اللاهي، تجعل القارئ يسبق الكاتب، في عمله، مثلما الروائي يسبق القارئ في إقامة المشهد، المشاهد، في تأليف الجملة في الكتاب الجمل.
«كان ثمة سؤال يقضني مذ إنقلب الدهر إنقلابا فظيعا بحياتنا... كان هذا المرء مثلي لا يستطيع أخلاقيا، أن يفرّق بين معاملة كلب، ومعاملة إنسان...».
شخصية السيدCooper، ممتلئة بتابعه الممسوخ، رجل ممسوح، بوجه ممسوخ، ممتلئ بألوانه التي تدل على أنواع أمراضه، على أنواع إعاقاته، في الجيل المقيم، في الجيل القادم.
«كوبر بمثابة أخي وإبني... أأتركه مثلا بدون حمام شهري، بدون طعام صحي، بدون عملية جراحية، فيصبح معطوبا في مشيته؟».
عقل العويط، روائي قاسٍ على نفسه، يعيش القلق ويعاتب Cooper، بإستمرار، الذي يجده يحتل، وجوه كل الشخصيات، في الحضور العام للعصر. ولهذا نراه في هذه الرواية، يضطر لمشاهدة نفسه، كي يتعرف على أخطاء مجتمع، كي يتطور ويقيم، ويقوم العمل الروائي، ويقيم فيه مشاهد، يقيم فيه قارئا، كاتبا، شاعرا، روائيا، وبيده سبحة لعدّ أخطاء السجان والسجن الذي يواريه.
«أكان يريد ان يعرب عن إستقالته مني، ومن صداقتي ومن الوجود؟ أكان يريد أن يقول: أنا مائت في إقامتي معك داخل البيت، فكيف لا أكون مائتا في زمن كوفيد؟!».
عقل العويط، يغلق الكتاب الجمل على نفسه، وكأنه حساب الجمل،  لأنه مستهدف من نفسه. يغلق نصه على عقل البُعدي، ليكون عادلا مع نفسه، في توجيه الأسئلة لجميع المتهمين، في السجن الكبير الذين يتقمّصهم، في كتابه الجمل.

أستاذ في الجامعة اللبنانية