بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 آذار 2023 12:00ص عودة ثانية إلى الثقافة والفن

حجم الخط
عودة ثانية إلى الثقافة نبحث في مضامينها ونكشف عن كنوزها وجواهرها ونحاكي إحدى أعمدتها وهي الفنون بكل أنواعها ونواكب سيرها ونشرها المتعدد للثقافة الإيمانية والفكرية والأدبية والشعر والمسرح والسينما والرسم والنحت والنوادي وجمعيات الثقافة والندوات والمهرجانات ومعارض الكتب، وقد عرّف أحد العلماء البريطانيين الثقافة «أنها ذلك الكل المركّب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعادات والقدرات والأعراف التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع،» يعبّرون بالثقافة بأنواعها عن مشاعرهم ويظهرون انتمائهم إلى هوية الإنسان والمجتمع، وأن المثقفين على قلّتهم يتميزون بالموهبة والحس الإنساني ويعبّرون عن الضمير المجتمعي وغالبا ما ينادون ويدافعون عن قضايا الحق والعدل والمساواة، وهناك من يفترض لو تجرّد الإنسان من الثقافة فلن يملك القدرات التي تجعل منه بشرا ويتذوقون تجارب حياتية تلامس ما يمرّون به في حياتهم ويتعرّفون على ثقافات شعوب أخرى وعاداتها وتاريخها من خلال الكتب، فيخرج الإنسان من عالمه الذاتي الضيق الى العالم الآخر الأرحب، وتروي لنا كتب التاريخ أنه حين تم استعباد ذوي البشرة السوداء في أميركا وفي عز معاناتهم واضطهادهم كانت الموسيقى بمنزلة سلاح قوي لنيل الحرية والكرامة وانتزاع حقوقهم، كما كان نشيد «الله اكبر» خلال مقاومة الشعب المصري بقيادة جمال عبد الناصر للعدوان الثلاثي البريطاني والفرنسي والإسرائيلي أداة تثوير الشعوب العربية وانتصار مصر التاريخي فالثقافة والفن من عوامل التأثير على الإنسان وسلوكه ولهذا منعت أغلب الحكومات العربية المتخاصمة مع مواطنيها والمطبعة مع الكيان الصهيوني أو المتصالحة معه على منع الأناشيد الوطنية التي تبث للمواطن العربي من إذاعاتها شحنات ثورية عالية ضد المعتدين المحتلين للأرض والفاسدين في الداخل من أهل النظام.
وأعود إلى أهل الفن وصناعة  السينما ودور الأفلام والمسلسلات في تربية النشأة من الأجيال الصاعدة ولعلي بذكر أسماء من تسعفني ذاكرتي بهم تكريما لهم ولذكراهم وما قدّموه من أعمال إيجابية ومفيدة ومنهم الأدباء وكلهم من الكبار والمشاهير ممن افتقدتهم الأمة بالوفاة فرحلوا ورحل معهم الزمن الجميل والقامات الكبيرة وحلّ علينا وفينا كأمة عربية زمن الردّة والقحط والتراجع وزمن الصراعات والحروب الأهلية والسكوت على احتلال أراضٍ واسعة من أراضينا ومنها القدس الشريف وفلسطين الباقية في هذه الأمة نورا يصوّب حياتنا ونارا تحرق أعداءنا آملين أن يكون تحرير الجولان السوري ومزارع شبعا وجوارها يوما قريبا بإذن الله، كما كان الإنجاز اللبناني الكبير بتحرير الجنوب والبقاع الغربي بفضل المقاومة الوطنية والإسلامية.
ومن هؤلاء الأدباء والكتّاب المصريين الذين تحوّلت رواياتهم لأفلام عربية وأجنبية نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر وحسب الأعمار:
١- طه حسين (١٨٨٩-١٩٧٣) عميد الأدب العربي، فَقدَ بصره وهو طفل وعوّضه الله عن البصر بالبصيرة. حُوّلت روايته «دعاء الكروان» إلى فيلم عربي لقي نجاحا كبيرا، تمثيل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وأحمد مظهر وآخرين.. ومسلسل عن سيرة حياته الكفاحية التي أبدع بتجسيدها الفنان المبدع أحمد زكي.
٢- عباس محمود العقاد (1889-1964) لم يتلق سوى تعليما ابتدائيا وأكمل مطالعته للكتب منفردا وألّف أكثر من ألف كتاب في الدين والفلسفة وأهمها العبقريات: عبقرية النبي محمد، وعن عبقرية كل خليفة من الخلفاء الراشدين
3- توفيق الحكيم (١٨٩٨-١٩٨٧) لُقّب برائد المسرح الذهني من مسرحياته: أهل الكهف، رصاصة في القلب، الخروج من الجنة ومسرحية نشيد الموت.
٤- يحيى حقي (١٩٠٥-١٩٩٢) بدأ محاميا ثم مسؤول المكتبة الوطنية ومحرر بمجلة «المجلة» من أهم ما كتبه: «قنديل أم هاشم» وتحوّلت إلى فيلم سينما.
5- نجيب محفوظ (١٩١١-٢٠٠٦), حاز على جائزة نوبل للآداب له ٣٤ رواية و٣٥٠ قصة قصيرة و5 مسرحيات. وعدة روايات تحوّلت إلى أفلام مهمة.
٦- يوسف إدريس (1927-1991) كاتب مسرحي وروائي شهير، مدرّس طب، قصته «الحرام» تحوّلت فيلما لفاتن حمامة.
أما الشخصية المختارة في هذه المقالة، الفنان الكبير المبدع المتعدد الطاقات الذي توفاه الله وهو في عز شبابه وعطاءاته الـ51 عاما، أنور وجدي رحمه الله ورحم زملائه من الفنانين والفنانات والأدباء والكتّاب وأهل الصحافة والإذاعة والتلفزيون وأهل العلم والثقافة، ولان سيرة هذا الفنان وإنجازاته عظيمة وقدّم المفيد لمجتمعه وأمته سأكتفي عنه بالقليل منعا للإطالة لمقال آخر إن شاء الله تعالى.
هو واحد من أهم الفنانين ورائد من رواد السينما العربية ومن صنّاعها, كان مميزا وفريدا في مواهبه، ممثلا بارعاً، كاتبا ومؤلفا لأفلامه ولغيره، مخرجا فذّا، ومنتجا مقداما سخيّا بالمال مهما علت كلفة الاستعراضات التي أكثرها بأفلامه وكان من كبار نجوم السينما المصرية العربية، بدأ على خشبة المسرح ثم انتقل الى السينما العام 1930 بفيلم «جناية نص الليل»، وفيلم «أولاد الذوات» ١٩٣٢ و«الدفاع» ١٩٣٥ و«بياعة التفاح» ١٩٣٩, و«انتصار الشباب» ١٩٤١, و«ليلى ابنة الريف» وسلسلة أفلام من بطولته مع ليلى مراد: «ليلى بنت الفقراء»، و«بنت الأغنياء»، و«قلبي دليلي» و«عنبر» و«غزل البنات».. وتزوجها وشكّلا معا ثنائيا رائعا. أحبهما، الجمهور كثيرا وكانت معجزته بتأهيل الطفلة المعجزة «فيروز» وقدّمها بثلاثة أفلام «ياسمين» ١٩٥٠ الذي شدّ الجمهور للفيلم والطفلة المعجزة، وقد ظل عرض الفيلم سنة كاملة بأشهر صالات بيروت، سينما متربول، ثم فيلم «فيروز هانم» ١٩٥١ و«دهب» ١٩٥٣/ وفيلم «٤ بنات وظابط» وسجل نجاحا باهرا وأنتج ٦ أفلام من أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية هم: «ريا وسكينة» و«أمير الانتقام»، «الوحش»، «غرام وانتقام»، و70 فيلما وأسس شركة الأفلام المتحدة وكانت رغبته الجامحة الذهاب الى هوليوود لكن لم تتحقق له هذه الرغبة، وكان قد مثّل مع ثلاثة من أهم نجوم الغناء: أم كلثوم، وأسمهان، وليلى مراد. ثم أصيب بمرض وراثي هو الكلى وسافر للسويد لغسيل الكلى الذي لم يكن معروفا حينها ثم فَقدَ بصره وفَقدَ الذاكرة.
هذا الفنان المبدع ذو المهمات المتعددة، حفر اسمه كأحد أهم الفنانين ومن أهم رواد السينما العربية المصرية وتوفى يوم ٢٣ رمضان/ ١٤ أيار ١٩٥٥ في استكهولم وجسّدت سيرة حياته بمسلسل بعنوان «طريق الدموع» بطولة كمال الشناوي وليلى مراد وصباح وكانت وفاته صدمة كبيرة جدا لأهل الفن والسينما والجماهير العربية عامة.