بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 تشرين الثاني 2017 12:05ص في رواية «خرائط يونس» لـ محمود حسني عالم المنسيِّين في جوف الحوت

حجم الخط
انغمر  الروائي «محمود حسني»  في روايته «خرائط يونس»  الصادرة عن «دار الساقي» في الرمز الاسطوري  للبحث عن جدوى في لاجدوى من مهزلة  عالم المنسيين في جوف الحوت متأثرا بالاساطير البابلية او بما وجد بالتلمود بعد اسر اليهود من قبل نبوخذ نصر واقتادهم  اسرى من السامرية لبابل. او صناعة التلمود ثم ظهور التوراة ثم النبوة، وهي الخرائط الانسانية التي تقوم عليها البشرية التي ابتلعت يونس، وجعلته في بطن الحوت كالقابع في جزيرة من ثلاثة اضلع يهاجمه الخوف غير المعروف، وكأنه يمارس الهروب وسط حياة مجهولة تطوف في البحار.  والامل!  كروح هائمة وسط موكب من الاشباح  بتيه بوهيمي لنسبية الحقيقة واللاحقيقة، فهي مجهولة في بطن حوت يونس  وفق لقطات تصويرية ذات وصف حريص على متانة لغة مسبوكة بهلوسة ادبية تبحث عن الاثارة بتكسير التقاليد بسريالية تكاد تمس غرائبيتها توصيف الامكنة،  وانما بمحاولات لفهم خطوط العبور الروائي وخطوط التوقف دون الالتزام بتحليل الذات البشرية او التقيد بحركة الشخوص والتنامي  المؤسس لها، فالجماد اخذ منحى المكتبة وعالم المعرفة القابع في لوحات وموسيقى وغرائب الحلم او الكابوس،  وانتقال الحوت من الخيال الى الواقع كان لا بد من بقاء يونس مع صاحبه اوفي اعادة حكاية صاحب الحوت وفق الحلم او الشخصية المحورية في المثلث الثلاثي الاضلاع، فهل رمزية خرائط  يونس تعيد لتكوين البشرية اصولها؟.
جزيرة رمزية في افق مفقود لمن افتقد الاستقرار الذهني والعقلي،  فطاف حول اللوحات والكتب وعاش منسيا في جزيرة من تهويمات عقلية لنبوءات يسترجعها في حدث انعكاسي لعبثية العالم في عيني يونس،  وهو لا يبغي العودة اليه،  بل اما بالهرب منه او بتدميره او نسيانه. والا ما يعني ان يهرب يونس في جوف الحوت ضمن الميثولوجيا القديمة ؟ هل كان حوته معتديا..؟لو كان كذلك لما رماه على الساحل لطحنه في ماكنة احشائه. ان يونس رمز للانس من انسان افتقد الامان والانسنة في عالمه،  فوجدهما في باطن الحوت ورواية خرائط يونس ليست ميثولوجيا معاصرة و«محمود حسني» هنا اخذ من المثولوجيا اسطورة يونس والبسها ثوبا عصريا للضياع، وهو يعبر بلا وعي عن بوهيمية الانسان المعاصر امام التقدم التقني الهائل،   وتراجع الفكر وتقدم العلوم وصغر الانسان،  وكبر المادة الخلاقة والرواية تعبير عن انهزامية الانسان المعاصر، وقلة حيلته لذا يتعكز على شواهد اسطورية.
خرائط لفيزياء الروح الجوالة في  المستحيل تبحث عن الوجود في الجزيرة وناسها الاشباح او من الفاقدين لوجودهم الحركي المبهم حيث لا انسنة تجمعهم في لخبطة دادئية جعلته على ارض رخوة بتجريب ينظر له كمحاولات للفهم او خرق للمعهود،  وما حوت يونس بغواصة يهربون بها. انماهو استسلام محض امام جبروت الحضارة، وعدم الانسجام معها لضعف في الارادة رغم اختلاف المعتقدات في رمزية لوحة صباح ما بعد الطوفان،  وهل تبخر كل شىء افقيا ورأسيا كالكتابة؟ ام ان التغيير في جغرافية الامكنة التي تحدث لاسباب هي صراعات بشرية بحتة شبيهة بانعكاسات تمثل التداخل بين الميثيولوجيات القديمة وما يحدث الان.
الرواية اسقاط بحث لضياع العالم المعاصر على الميثولوجيا القديمة، اذ يبدو ان  النص استخدم رمزا قديما  لتوصيل مفهوم ليس حداثوي نهائيا.  لكنه مفترض، فالاشياء الذهنية فينا هي نتاج الكثير من سنين تطور الخلايا من واحدة انشطارية الى مليارات. وفي كل يوم يكتشف جين يفصح عن هوية مجهولة فينا، والجنس البشري يحتاج الى اعادة تنظيم مكتبته الجينية بالعودة الى الانسانية والنبوة الحقيقية دون ازالة الشواهد التاريخية،  كالتفجيرات التي حدثت والخوف والهلع من الذبح  او تخطيط مسبق لبث الفزع في النفوس الضعيفة او لهلوسات ذهنية توحي بالكثير من ثلاثية الاضلع في جزيرة منسية شاخ فيها الحوت. فهل من رمزيات نورانية لعين تلعب دورها في مثلث جزيرة خرج منها يونس؟.
رواية بتقنيات حافظت على مقومات المكان دون المس بحركة الشخوص التي تباطـات،  وبتأثيث تخيلي معمق بتلغيز تقاطع مع اسطورة تكررت،  وتجددت في الكثير من القصص والحكايات بتأصيل ذي اهداف سردية،  وفضاءات ملتهبة بلوحات واساطير وسديم تتشابه معه الكثير من التفاصيل،  بتعاريج كالمتاهات الذهنية  تشكل بنية الرواية، وتضع القارىء امام جملة تساؤلات لا تفك الغموض الميثولوجية القديمة، ولا تقدم الرمز الاسطوري كمنحى جزيرة استنطقها «محمود حسني» بمسحة تهويمية، وبدفقات زحزح من خلالها التشويق مستهدفا بعثرة الميثولوجيا لاستخراج الرمز الاسطوري بفن يتكشف من خلاله سمات لا تفضي الا للغموض.