بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 أيلول 2018 12:04ص كتاب «المدن الأقطاب» كما دونها الدكتور عبد الرؤوف سنو

حجم الخط
جذبني إلى كتاب «المدن الأقطاب» فرادة عنوانه، وصور مدنه الجميلة الأربع التي تصدّرت غلافه: بيروت وطرابلس وزحلة وصيدا. فوجدت نفسي على الفور منخرطاً في قراءته وانتهيت منه ليبقى في ذاكرتي مرشداً ومعيناً.
استوقفني في المؤلّف أصالته؛ فهو يؤرخ لأربع مدن على مساحة لبنان، في توليفة فريدة تجمع بين النص والصورة وكذلك «النافذة» الذي يطلّ القارئ من خلالها على معلومات إضافية. ويقتحم الكتاب عدة ميادين معرفة أسهمت في متابعة تطور تلك المدن وأدوارها التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية ... منذ العصر الفينيقي، مرورًا بالعصور الوسطى فالحديثة والمعاصرة، وكذلك لتاريخ لبنان العام من خلال مدنه الأقطاب، حتى أنه يؤرّخ لأحداث وقعت قبل أسابيع من انتهاء التأليف.
يشدّ القارئ إلى «المدن الأقطاب» بيروت، عاصمة الثقافة في لبنان والعالم العربي. وقد تناولها المؤلّف بإسهاب؛ بمعالمها وآثاراتها وجامعاتها ومدارسها وجمعياتها ورجالاتها وشخصياتها وأدبائها ومفكريها وفنانيها المسرحيين والسينمائيين والتشكيليين، كما مطاعمها ومقاهيها ومأكولاتها التراثية ونواديها الليلية وساحاتها المشتركة. فيأخذ الكاتب القارئ في جولة على الآثارات الفينيقية والرومانية والمعالم العثمانية، وعلى المسارح ودور السينما التي قضت عليها حرب لبنان: في ساحة البرج، وشارعي الحمرا وكورنيش المزرعة ومتفرعاتها، وصولاً إلى الشيّاح وفرن الشباك وبرج حمود. ويطل سنّو على بدايات الحركة المسرحية، وتطوّرها على أيدي الجيل الجديد الذي تأثر بحداثة الغرب، تمثيلًا وتقنية وإخراجًا. ولا تكتمل الصورة الثقافية لبيروت إلا بالحديث عن الفنّانين التشكيليين الذين وجدوا فيها منصة إنطلاق محلية، ثم إلى العالمية. واللافت أن المؤلّف أفرد قسمًا لمعالجة المسألة الثقافية في لبنان، إنطلاقًا من بيروت كحاضنة لكل ثقافات الوطن وقد أحسن الدكتور سنو في اختياره من كتابنا «ذاكرة بيروت» تكوين البيت البيروتي التراثي ببنائه وحدائقه.
لا يترك عبد الرؤوف سنّو مجالًا للشك بأن ما تعرضت له بيروت الثقافة على يد حرب لبنان، قد أصاب طرابلس وصيدا وزحلة كذلك وقد دمر كل من مسرح التياترو الكبير الذي استضاف كلاً من أم كلثوم وعبد الوهاب ويوسف وهبي وكبار النجوم العالميين، وكذلك مسرح «شوشو»، وقد اختفى ايضاً «مسرح الإنجا» في طرابلس، وهُدمت في المدن الثلاث المسارح ودور السينما لصالح ناطحات السحاب والمولات. لكن سنّو يُلقي الضوء على نهضة ثقافية واعدة، وبخاصة في طرابلس التي يعتبر أنَّها لم تأخذ حقها الكامل بإعلانها عاصمة اقتصادية للبنان، على الرغم من امتلاكها مقومات ذلك. ويتطرّق إلى محاولات النهوض بالسياحة في طرابلس وزحلة وصيدا، وإقامة المهرجانات الموسمية والنوعية.
باختصار، كتاب «المدن الأقطاب في لبنان» عمل جاد وقيّم، يتوجه بموضوعية وأكاديمية إلى الجيل الجديد والمهتمين بمعلومات مركزة مختصرة بعيدة عن الرتابة والسرد. إنه كتاب يستحق أن يحظى بتقدير أجيالنا والأكاديميين والمهتمين بالتراث والمكتبات العامة والجامعية والمدرسية.

الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب