بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 تشرين الأول 2019 12:15ص لبنان الذي نطمح إليه

حجم الخط
لقد ارتضى معظم اللبنانيين اتفاق الطائف لتحقيق الوفاق الوطني على قاعدة الاصلاحات السياسية والدستورية، وتمكين الدولة من إستعادة دورها من خلال إعادة بناء مؤسساتها على أسس سليمة، وتجديد تجربة العيش المشترك وترسيخه، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وتخطّي الأزمات التي يعاني منها الشعب، غير ان إنهاء الاقتتال واستتباب الأمن، وعودة الحياة الطبيعية، والاستقرار المالي الذي تحقق وتنفيذ بعض مشاريع البنى التحتية، لم يقترن بتحقيق الأمور الموعودة. فالذهنية التي تحكّمت في مسار العمل السياسي أعاقت مشروع بناء دولة القانون والمؤسسات، وأفرغت اتفاق الطائف نفسه من مضمونه، وأوصلت لبنان الى وضع متأزّم. وقد أدّى هدر المال العام والمحاصصة وتأصيل الفساد في الإدارة، وزيادة الركود الاقتصادي، وتردّي الأوضاع المعيشية، وتراجع تجربة لبنان الديمقراطية، الى انحطاط القيم بوجه عام.

ان تخطّي الواقع الذي يعاني منه لبنان، وتجديد معنى وجوده وإستعادة دوره ثقافياً وسياسياً واقتصادياً على المستويين الاقليمي والدولي، والتصدّي لمخططات العدو الإسرائيلي التي تجاوزت القانون الدولي وشريعته، يتطلّب دولة تحقق وحدة وطنية فعلية راسخة، وذلك باعتماد سياسات تنمّي الجموع المشتركة، وتوفير شروط العيش الكريم لجميع اللبنانيين على شتّى إنتماءاتهم، وتضع حدّاً نهائياً للانقسامات الطائفية والمذهبية التي شرذمت المجتمع وقوضت أركان الحياة الوطنية.

ان الدولة القادرة على القيام بهذه المهمة، التي لا غنى عنها، هي دولة القانون والمؤسسات العاملة على تحقيق الديمقراطية بأبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية، ولا يمكن لدولة كهذه أن تنهض في لبنان ما لم يتوافر لها سياسيون أكفّاء مترفّعون عن الصغائر والمصالح الضيقة، متحررون من العصبيات على اختلافها. مسؤولون يدركون معنى وجود لبنان، ويجسّدون في ذواتهم القيم الإنسانية، ويؤمنون بالديمقراطية قيمة بذاتها، ويلتزمون التقيّد بالدستور والقوانين. مسؤولون يمتلكون رؤية سياسية عميقة وسليمة لما يجب أن يكون عليه لبنان على مشارف الألف الثالث، ومصممون على تحويل هذه الرؤيا واقعاً يعيشه الشعب والوطن والدولة. مسؤولون لهم من تاريخهم ومواقفهم ونهجهم ما يجعلهم موضع ثقة اللبنانيين والعالم.

لا بد من أن تشكّل منعطفاً أساسياً نحو الخروج من حالة التردّي التي لم يعد للبنان واللبنانيين طاقة على تحمّلها، في ظل ظروف اقليمية ودولية ضاغطة، وبداية إستعادة لبنان دوره الرائد في دنيا العرب والعالم. فرئيس الجمهورية، عليه أن يقود عملية الإنقاذ لكونه رئيس الدولة، ورمز وحدة الوطن والساهر على احترام الدستور والمحافظ على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، والضابط أداء مؤسساته الدستورية.

لا بد من إيلاء الثقافة المكانة المميّزة والدعم اللازم باعتبارها حصننا الأخير والمنيع إنطلاقاً من كونها العامل الأكبر والأساس في مجالات الترقّي والتطوّر والتغيير المطلوب والتي يتعلق بها وقبل سواها مصيرنا الوطني والمجتمعي برمّته، وعليه يجب إفساح المجال أمام أهل الثقافة والاختصاص للاشتراك بمسؤولية اتخاذ القرارات بغية سلامتها وموضوعيتها.