بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 آب 2022 12:00ص لقاء

حجم الخط
خلال ليلٍ عابق بأنفاس الربيع.. كان في مكان ما رجل يكلّم نفسه.. رجل أراد أن يحيا كالريح بثورتها والأعاصير بصراخها.. رجلٌ أمضى ساعات من غير أن يغمض له جفن.. ضوء القمر خانه.. أخذ يتساءل بحسرة ودمع العين ينهمر: لماذا عيشنا نكدٌ؟ لماذا أبوابنا مشرّعة ونوافذ بيوتنا كئيبة؟ ومستقبلنا مجهول؟ حتى المرأة التي أحببتها لا تدري بأني أهواها مثلما أهوى بزوغ الفجر، ومثلما الناي يهوى صداه.. راح يمشي ذاهلاً عن كلّ ما حواليه ويتكلّم بصوت خفيض، كأنه يخشى أن تسمعه الياسمينة في الحديقة.. اضطراب أيما اضطراب.. ران صمت عميق حين راحت الأمطار تنهمر فجأة بغزارة، رافقتها ريح عاصفة وبرق ورعد.. لا أحد يدري كيف بلحظة بدّلت الطبيعة ثوبها وانفجر غضبها! بالأمس كانت الشمس تنحدر نحو البحر وتعانق الموج.. ساعتئذ راح الرجل يردّد بفرح ظاهر: «ما أجمل الراحة بعد الدوران والنوم بعد النعاس» لكنه صمت حين رأى المرأة التي هجرته قادمة وابتسامة تتلألأ تسبقها.. انتفض كمن أفاق من سبات عميق.. امتقع لونه.. عضّ على شفته السفلى وتمنّى خلال هذه البرهة، لو تنشقّ الأرض وتبتلعه.. لكنه ردّ على تحيتها برقّة متناهية وقال لها: أثناء غيابك الورود ذُبلت.. لهف قلبي عليها.. أنتِ كنت في حياتي الحلم والأمل وفي الكون موسيقى لا تنضب أنغامها.. وأنا ما زلت أتساءل: متى ستدركين إن بعض المشاعر لا يمكن تفسيرها، لأن الهوى عينه لا يُفسّر.. وأنتِ زهرة أبحرت بعد أن استفاق الشوق في قلبها، ربما لأن الرحيل يبعث في نفسكِ الاطمئنان.. وربما لأن الرجل الماثل أمامك قد خبتت شعلة شمسه وصار مثل أوراق الخريف، في داخله وجع كبير.. هذا الرجل أراد أن يدخل فردوسكِ، ليس ككهلٍ حزين، بل كفجرٍ يسابق شعاع شمس.. فهل ستهجرينه وتنسينه ثانية، أم ستتركينه ينام مثل عصفور في حضنك؟ أجابت بحنان: وكيف أنسى من في القلب مسكنه..