بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 آذار 2023 12:00ص لماذا الضجر من القراءة؟

حجم الخط
هل أصبحت القراءة في زماننا هذا المتعدد البلايا والنكسات مبعث ملل وضجر باستثناء قلّة من المثقفين ورواد الفكر والحياة الثقافية الذين يمارسون القراءة بنهم وحيوية قلّ نظيرها في مجتمعاتنا العربية، وممن هم ذات الصلة بالثقافة وشؤونها وشجونها، وما هو عندي في هذا المجال يبقي الثقافة وبلاغة اللغة العربية وجمال الشعر العربي وتعدد صوره يشدّاني إليهم، فاللغة هي هوية الأمم ولسان التخاطب  فيما بينهم، وطريق الابداع، وحسن الحديث وطريق كل هذه الإبداعات هي القراءة، فالقراءة هي مبعث الحيوية الفكرية والثقافية وهي المنتجة لعقول وقيادات بارزة في المجال الفكري والثقافي بل في كل المجالات الفكرية والثقافية والتعليمية وفي حرية التفكير والتعبير. وكم نحن في لبنان وفي المنطقة العربية بحاجة إلى المزيد من الزاد العلمي والثقافي والمعرفي، ذلك التحدي المؤجل لحساب الصراعات السياسية بكهوفها الطائفية والمذهبية والعنصرية والجهوية والتي باتت تطيح بالأوطان وتنهي الأمم أن التقدم للجماعات البشرية والشعوب لن يكون إلا بالعلم والثقافة والمعرفة، وهذه من أبرز سمات الأمة العربية في تاريخها المجيد بعد ظهور الدين الإسلامي الحنيف وبناء حضارة العرب التاريخية في بلاد الأندلس وفي كل من دمشق وبغداد والقاهرة، وكانت القراءة هي الطريق لكل الإنجازات والابداعات.
نحن أمة العرب وأمة الاسلام أمة القراءة وان أول كلمة خاطب بها الله عزّ وجلّ رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي عبر جبريل  عليه السلام كانت كلمة واحدة «إقرأ»، وكان النبي العربي أميّا لا يقرأ وكان جوابه لثلاث مرات: «ما أنا بقارئ» وكانت سورة «العلق»، وتسمّى سورة «أقرأ»، وفيها أمر النبي بالقراءة مع بيان مظاهر قدرة الله مع الإنسان. (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق (وهي نقطة دم جامدة) أقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم) الى آخر السورة وآياتها ١٩ آية وخلاصة معنى الآيات، كن قارئا، - يا محمد - هو الله الذي يجعلك قادرا على القراءة ويهبك العلم بما لم تكن تعلم أنت ولا قومك منه شيئا، وكانت القراءة هي الأمر الإلهي لرسوله والباب الذي انطلق منه نشر الدين الإسلامي الحنيف. ونسأل بكل أسى وأسف لماذا الضجر والملل إذا من القراءة وديمومتها من الحياة إلى الممات؟! فالقاعدة في حياتنا اطلب العلم من المهد الى اللحد!
تكاد تكون القراءة في هذا الزمن معدومة لدى البعض من الرجال والنساء وقليل ممارستها عند آخرين، وعندما تسأل قريبا أو صديقا عن جريدته أو مجلته أو عن الكتاب الذي بين يديه وحتى عن القرآن الكريم أو الانجيل يكون جوابه: القراءة تتعبني، أو لا وقت عندي للقراءة، وعندما تحرجه يحيل السبب بأن عينيه لا تساعدانه على القراءة وكأنها عبء ثقيل يتهرّب منها. والأمر العجب عندما يكون السؤال موجها لحاملي الشهادات الجامعية والمثقفين وأصحاب الاختصاص من المهن الحرة، وتكاد ترى القراءة شبه معدومة عند الجيل الجديد ولا اهتمام ولا تشجيع لها داخل البيوت وهي منسيه لدى الآباء والأمهات تجاه أبنائهم وبناتهم وأحفادهم وما عادت مطروحة في جلساتهم وسهراتهم وقد استعيض عنها باختراعات هذا العصر من هواتف نقالة التي تجعل من أفراد الأسرة الواحدة وداخل البيت الواحد له غرفته أو زاويته وكل مشغول بهاتفه حتى الدعوات التي يتلقاها الإنسان لحضور ندوة أو محاضرة أو جلسة حوار وطني تراها مرفقة بعبارة مدة اللقاء ساعة فقط كما أن الكثيرين ممن تتابع معهم ما يكتب من دراسات أو مقالات يطالبكم لا اقرأ إلا الخلاصات ويبرر عدم قراءته بسبب المطولات للمواضيع المثارة.
وفي جانب آخر، تدخل بعض البيوت أو المكاتب فترى قاعاتها الرئيسية تزيّنها مكتبة بأعداد من الكتب ذات الألوان  المتعددة والأحجام الكبيرة وعندما تسأل عن الكتب التي يقرأها صاحب المنزل أو أهل البيت يأتيك الجواب أنها للزينة فقط وإيهام الزائر أننا من أهل العلم والثقافة. وهكذا نرى ونلمس أن كثيرا من الصحف والمجلات ونشرات العلم والثقافة الورقية قد توقفت عن الصدور، كل هذه التراجعات الثقافية والقراءة والكتابة وقلّة بيع الكتب وندرة معارض الكتب الفصلية أو السنوية في تراجع كبير وفي اهتمامات أدنى وكذلك النوادي الثقافية والفكرية وتجمعات المثقفين والمتعلمين والشعراء في جلساتهم المشتركة ونقاشاتهم الأدبية والاجتماعية قد تراجعت لحساب ما نراه من مراكز تنسب نفسها للإعلان والإعلانات بأسماء شتى لا تحمل مضامينها وأسماء عدة أعلنوا عن أنفسهم خبراء في السياسة والعلاقات الإقليمية والدولية وفي كل الشؤون الحياتية وكأن هناك جيوشا من الخبراء في كل المجالات وكلهم تحت الطلب لدعوتهم من  شاشات التلفزة أو بأي وسيلة إعلامية أخرى. أضف إلى ذلك التهميش وعدم الاهتمام باللغة العربية وأصولها وقواعدها وبلاغتها وهي من أرقى وأرحب من كل لغات العالم وهذا بإقرار واعتراف علماء ومفكرين كبار من أهل الغرب تجاه لغتنا العربية ومع ذلك ترى كثير من شاشاتنا استبدلوا كتابة أسماء الضيوف أو ممثلي المسلسلات والأفلام بلغات فرنسية أو انكليزية بدل اللغة الرسمية للبلاد وهي اللغة العربية ودون حسيب أو رقيب أو أي تنبيه.
ويبقى السؤال إلى أين نحن سائرون؟ والى أى مدى أوطاننا العربية وجامعة دولنا العربية متيقظون لهذه الأخطار؟ وهناك دول عربية عريقة في عاداتها وتقاليدها العربية راحت تستبدل العربية بالإنجليزية والفرنسية في كل علاقاتها ومعاملاتها ومشترياتها ومبيعاتها وحتى التخاطب بين مواطنيها، وها هي مناطقنا وبلداننا تتعرض لغزوات ثقافية وفكرية من كل الأمم وكلها لها شاشات تلفزيونية تروّج  لها حتى باتت كل شاشة تعرف بالجهة المرتبطة بها هذا بعض من حالنا وأحوالنا فما هو المصير؟!