بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 أيلول 2023 12:00ص محمود شريح وكتابه: من الراديكالية إلى الإعتدالية تكسير الأوهام

حجم الخط
تكتسب كتب المذكرات، أهمية خاصة، حين تتناول بالمراجعة والمتابعة والتتبع والنقد، حياة رجال، خاضوا في الحياة السياسية والحياة الثقافية، وكانت لهم تجاربهم المؤثرة على هذا الصعيد. بحيث تتقدم هذه التجارب، لتراكم الخبرات والمعارف، ولتراكم الثقافات المتصلة بها. فما بالكم، إذا كان الأمر، متعلقا بأشخاص، كانت لهم اليد الطولى في صناعة الأحداث، وفي صناعة التاريخ؟! فما بالكم إذا كان الأمر متعلّقا بمرحلة، كانت ولا تزال، محط إهتمام الباحثين والدارسين؟! فما بالكم إذا ما كانت القضايا المثارة، تشكّل لب الحياة الثقافية والسياسية والأمنية، في ذلك الوقت، بحيث تركت أثرها البارز على كل ما حولها، من دول ومجتمعات وثقافات وسياسات متنوعة؟!
 يأتي كتاب: (محمود شريح. من الراديكالية إلى الإعتدالية. دار نلسن. رأس بيروت. ط.1 - 2023)، ليضوئ على رجل إسمه محمد دجاني، ساهم في صنع مرحلة، وعلى مرحلة، على قضية إسمها القضية الفلسطينية، صنعت منه رجلا مناضلا ومثقفا وسياسيا بإمتياز، في سبعينيات القرن الماضي. فجاء هذا الكتاب خير شاهد، على تلك الأحداث التي انطبعت بها البلاد، وانطبعت بها أيضا خواتيم ذلك القرن الماضي، عنيت القرن العشرين، الذي أسّس لظهور دولة فلسطين، بعد نصف قرن من حرب إسرائيل عليها.
يتحدث الأستاذ محمود شريح، عن زميله وصديقه في الجامعة الأميركية ببيروت، محمد دجاني، أثناء فترة دراستهما فيها، في السبعينيات من القرن العشرين. وكيف وجد فيه الرجل الذي كسر أوهامه. كيف وجد فيه الطالب والمناضل والأخ والرفيق والصديق، الذي كان يعتبر من أشدّ الراديكاليين، حين ترأس مجلس الطلبة في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم بادر إلى تكسير أوهامه كلها، فصار إلى إعتدالية موصوفة، حين عاد إلى جامعة القدس، وأسّس حركة الوسطية المقدسية فيها.
يستند الكتاب، إلى التاريخ الشخصي والعلاقة الشخصية، في جانب مهم منه، وإلى كتاب بتي أندرسن: «الجامعة الأميركية في بيروت. القومية العربية والتعليم الليبرالي»، الذي يقدم كما يرى الباحث نفسه: منظورا شيّقا لكيفية تحوّل كلية تعليمية، من مؤسسة تبشيرية تعتمد على مناهج تدريس عربية، إلى جامعة علمانية خاصة، توفر تعليما ليبراليا باللغة الإنجليزية، يعلي من شأن حرية التعليم والكشف التحليلي.كان محمد دجاني، كما يقول مؤلف الكتاب/ السيرة، قد إلتحق بحركة فتح إثر حرب حزيران 1967. فإرتقى في صفوفها وحظي بإحترام زملائه الطلاب، فإنتخب رئيسا لمجلس الطلبة، في الجامعة الأميركية.
وسرعان ما إنضم محمد دجاني، إلى حركة القوميين العرب، لأنه صعب عليه، إستيعاب هزيمة الجيوش العربية: المصرية والسورية والأردنية، في حرب الأيام الستة.
يستند الباحث أيضا، إلى كتاب مكرم رباح: (A Campus at War, 2009) ليصف حماسة الشباب في الجامعة الأميركية آنذاك, حيث يقتطع منه ما يفيد هذا المعنى:
«كنا متحمسين. كنا نريد أن نكون جزءا من الحرب. أحضر حزب البعث العربي وحركة القوميين العرب، باصات نقلنا فيها، أول يوم، إلى ناحية قرب عاليه، حيث سكن أحمد الشقيري في فيلا». ثم يتابع قوله: «جرى تدريبنا طيلة ذلك اليوم، على إستخدام المتفجرات وكيفية ممارسة القتال».
إلى الحديث المفصّل عن راديكاليته في بيروت، ونضاله مع إخوانه، في الجامعة الأميركية، يتحدث المؤلف، عن رحلة العودة إلى فلسطين سنة 1993، قبل إتفاق أوسلو. فكان بين عامي 1995 و1997، المستشار التقني الرئيسي في تطوير الإدارة العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية، لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP في القدس.
ويقول أيضا، إن محمد دجاني إلتحق في العام 2002، بجامعة القدس، وأسّس فيها مركز الدراسات الأميركية. ثم كان القيّم على مكتبات الجامعة كلها في القدس، وذلك سنة 2013.
يقول محمود شريح، إن محمد دجاني، شعر، في الفترة الأخيرة من حياته، بأن المخاطر المترتبة على مجابهة أوضاع خطيرة، لهي أكثر خطرا منها. ولذا وجد دجاني نفسه، أنه قد حان الوقت لخروجه من فتح، والبحث عن خيارات أكثر أمانا في مكان آخر. وكانت هذه القناعة تشتدّ عليه، كلما شعر بأن حياته قد أصبحت في خطر. ولهذا نراه يتحوّل إلى الإعتدالية في مواقفه وإتخاذ قراره الأخير بكسر جميع أوهامه السابقة، والإنتقال إلى مرحلة الإعتدال، بدأ الإنهمام بالأوهام. فنراه يحسم الأمر، بعد صراع طويل، فيصارح نفسه، ويقول:
«آن الأوان لفتح صفحة جديدة في الحياة، مبنية على الإعتدال في الموقف الفلسطيني».

 أستاذ في الجامعة اللبنانية