بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 شباط 2024 12:00ص مختارات جديدة من شعر نزار قباني: الثورة ونارها

حجم الخط
مثلما عرف عن نزار قباني، أن المرأة كانت هاجسه الأول، فما خفي عنا كان الأهم، هو أن الثورة كانت هاجسه الأول، ذلك لأنها أصل الشاعرية، جذوتها المتقدة دوما. أما نزار قباني، فوحّد بين الثورة والمرأة، جعلهما في صورة واحدة. وجد في المرأة إنقلابا على الحواس، على الطبيعة، على الحياة. رأى فيها كل معاني الإنقلاب على الواقع. ولهذا علق بروحها، وصار يسمو بها، لأجل أن يغيّر من الواقع ولو درجة بسيطة. وسرعان ما إستطاع تثوير المرأة، حتى كتب الغلبة لنفسه بها: 
كيف أستطيع تحرير المرأة
تقف بالطابور
أمام حجرة شهريار
حتى يأتي دورها.
حين تقرأ شعر نزار قباني، تشعر بغنائية مشبوبة بنار الإنقلاب على الواقع، ولهذا كان شاعرا تغييريا بإمتياز، حين قرن المرأة بالثورة، وقرن الثورة بالمرأة، وربما هذا ما عنته المجموعة الشعرية التي صدرت له مؤخرا، وقدّم لها الشاعر المصري هشام الجخ:
«نزار قباني. نار الثورة. نوفل- بيروت 2023».
يقررون بالإجماع: أنني فضيحة مقروءة
وأنني خطر على الأمن النسائي...
يطلبون مني أن أغادر الوطن
خلال ثمان وأربعين ساعة
فأغادره...
وتتبعني إلى المنفى كل نساء القبيلة...
قصائد نزار قباني في هذه المجموعة المنتخبة من ديوانه، كلها مشبوبة بنار الثورة، تماما كما هي مشبوبة بنار الحب. وترى الشاعر يغيب وراء السجف، ثم يظهر فجأة مبللا بالعرق وبالغضب. يحب المرأة ويتحدث عنها، كمن يتحدث عن بلاد شاسعة، كمن يتحدث عن وطن مسلوب، يريد أن يستعيده من القراصنة، بعدما يخرج لمقاتلتهم، لمقارعتهم، لمصارعتهم، لا يهمّه من كل ذلك إلّا تسجيل نقطة ولو صغيرة عليهم، في معركته الكبرى.
أنا الذي أحرق ألف ليلة وليلة...
وخلص النساء...
من مخالب الأعراب..
أنا الذي حميت وردة الأنوثة
من هجمة الطاعون،
والذباب... أنا الذي جعلت من حبيبتي
مليكة تسير في ركابها
الأشجار... 
والنجوم...
والسحاب.
نزار قباني، يمشي على الأرض بخطى الثوار، ويمشي إلى المرأة، بخطى من يواجه النار. ولهذا، حين تقرأ شعره، لا تعرف، ما أذا كان يعبّر عن الفرح، أم أنه يعبّر عن الغضب.
 بالرغم ممن حاصروا عينيك...
يا حبيبتي..
وأحرقوا الخضرة والأشجار 
بالرغم ممن حاصروا نوار
أقول: لا غالب إلّا الورد...
يا حبيبتي..
والماء والأزهار..
برغم كل الجدب في أرواحنا
وندرة الغيوم والأمطار
ورغم كل الليل في أحداقنا
لا بد أن ينتصر النهار...
صنو الغضب نزار قباني، حين ينظر إلى البلاد المشتعلة من أطرافها. وهو صنو الغضب أيضا، حين يرى إلى المرأة المشتعلة من أذيالها، وفي أثوابها. وصنو الفرح نزار قباني، وهو ينظر إلى البلاد: تغرد فيها العصافير، وتعاد على مسامعه المواويل، ويقهقه أمامه النهر، وتبتسم له حقول الزهر، وتروح أمام ناظريه عرائس الماء، تجيء بالجرار معبأة من النبع، وتروح أمام ناظريه أيضا، قوافل العمال والفلاحين، ينبتون الغرس والزرع.
أنا أنثى...
أنا أنثى
نهار أتيت للدنيا
وجدت قرار إعدامي
ولم أرَ باب محكمتي
ولم أرَ وجه حكامي.
الحب عند نزار قباني نار الثورة حقا، يلتحف بأذيال المرأة، يقسم لها. يغار عليها، يعشقها، كثائر يريد أن يعتقها، أن يحررها، أن يجعل البلاد كلها ملكا لها. فكيف بنا وهو يتابع ريحها في أنحاء البلاد كلها، يحمل على من يصيب منها ولو صيبة عين، ويريد أن يأخذه إلى محكمة.
سأكتب عن صديقاتي...
فقصة كل واحدة
أرى فيها... أرى ذاتي
ومأساة كمأساتي...
سأكتب عن صديقاتي...
عن السجن الذي يمتص أعمار السجينات...
صديقاتي...
طيور في مغائرها تموت بغير أصوات...
هذه هي نار الثورة، تخرج من الفصول والقصائد المجموعة في كتاب، لنزار قباني، لا أحسبه فيها، إلّا ثائرا، يأخذ عصاه ويؤدّب العصاة، يؤدّب القراصنة، يؤدّب المتقاعسين والمتمالئين والمتهاونين عن نصرة البلاد، وعن نصرة المرأة، يؤدّب القعوديين، الذين ثقلت بهم الهمّة، عن الثأر للمرأة، للبلاد، للحرمة المنتهكة.
منذ خمسين عاما..
بدأت أعمال التنقيب عن الحب...
في داخل الأنثى العربية...
فقد كنت أعتبر الأنوثة...
كنت أعتبرها
ثروة قومية، وشعرية، وتشكيلية...
وشجرة ثقافية نأكل من خيرها...
 ونتبارك بزيتها المقدّس.
نار الثورة، يعيد لنا الشعلة التي أطفئت على حين غرّة. شعلة نزار قباني نصير المرأة. شعلة نزار قباني نصير الثورة. هو الذي وحّد بين المرأة والبلاد في شعلة واحدة، في نار واحدة: نار الثورة.
تسألني لماذا أرفض؟ وأسألك بدوري لماذا تقبل...
بإختصار إن الحرية هي كالسماء، والليل، والبحر، لا تقبل التقسيم، ولا التنازلات، ولا المساومة...

 أستاذ في الجامعة اللبنانية