بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 حزيران 2023 12:00ص مقاهي المثقّفين

حجم الخط
العودة الخجولة لبعض المقاهي التي يؤمّها المثقّفون في شارع الحمراء دليل عافية بعد سلسلة الإضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستمرة، دون أن يضع المسؤولون حدّاً لها، للأسف الشديد, ولا بد أن نعترف بأن المثقف في بلادنا يُبحر وحيداً لأنه قلّما يجد التقبّل أو الإنصات.. ولكن في أحضان الصحراء القاحلة تنمو زهور الإبداع وتمنحها الحياة وإلى ما حولها الجمال.. تطهّر الوجود، تزرع الأمل، تتلقّى قطرات الندى، فلا تشكو من الجفاف، ولا تشكو من الوحدة لأنها تقاوم التحجّر والتخلّف، وقد يتعرّض هذا المثقف - المبدع الى رفض وعدم قبول ما يطرحه من أفكار، يرى فيها البعض خروجاً على الناموس وعلى التقاليد! في حين نجده ينال في البلاد المتقدمة الاعتراف خاصة لأنها تشتري عبقريته بالملايين.. أما هنا فلا حول له ولا قوة، لذا نرى إن البعض منهم يختار الأنكفاء على الذات والعزلة حتى يُكفُّ مضايقات المجتمع له.. ومن المعروف أن المبدع عادة لا ينتمي إلَّا إلى أرض الحرية ولا ينتج إبداعاته إلَّا في ظلالها.. أما في هذه البلاد فعليه أن يسير في ركاب السياسة وإلّا سيُهمل ويُنبذ.. لذا نراه يضطر الإعتماد على مجهوده الخاص إذا كان يملك الإمكانيات المادية، أما إذا كان لا يملك إلّا الموهبة، فإن عصارة فكره لن ترى النور وتظلّ حبيسة سجن الإبداع، ونضيف الى ذلك ما تحتاجه عملية الإبداع نفسها، من تركيز وتفرّغ ووقت وصفاء ذهن، لحظتئذٍ ندرك على الفور أنه لن يكون بمقدور المبدع أبداً أن يتماسك دون أن تتمّ مساندته من المجتمع ومن وزارات الثقافة، وللأسف لا نعرف قيمتهم ما داموا بيننا، وعندما يرحلون نشعر أننا فقدنا طاقة عزيزة وقيمة لا تقدّر بثمن، ولا شك أن الغيرة تلعب دورها أيضا وذلك برفض المجتمع لأفكاره وإصراره على تقاليده وتمسّكه بخرافاته الخاوية فلا يسمح أن تشرق شمس من شموس المعرفة وتكون عقوبته الإهمال والتجاهل، ربّما بداعي الحسد وهذه الآفة موجودة ولا يمكن إنكار فعاليتها خاصةً إن رافقتها آفة الغيرة.. في حين أن على المجتمع أن يكرّمهم وأن يرعى زهور الإبداع التي تعيش بيننا وتجمّل حياتنا، وأن نمنحها الحب ونحجب عنها منافع الزمن الرديء، وهذا يفترض الوقوف الى جانبهم، وأن نوفّر لهم كل المساعدة.. وهكذا لا يموت الإبداع في داخلهم.. ومما لا شك فيه إن عودة المثقفين إلى أمكنتهم قد أسعدت الكثيرين لأنها تعني عودة الحياة..