بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 كانون الثاني 2024 12:00ص من الخوابي

حجم الخط
كلّ مساء، تغفو منكسراً.. يضجّ الألم في صدرك، وحين تشرق شمس الوحي والإلهام.. تشعر بالسكينة والأمان.. تتجدّد فيك الحياة.. تنبعث الأشواق.. تعود إليك مشاعر تلك الليالي والوشوشات والبسمات ولغة الغمزات البهية وإشارات اليدين الصغيرتين (كم أحبهما).. وبريق السحر في العينين والغنج والدلال، حينها تصرخ فرحاً بوجه مارد الأفكار: «أغثني.. مدّ حنانك الأخضر الريّان... دعني أُصغي لبوح البنفسج، حين ترتفع أغانيه، معاتبة الشفاه وألحان المساء ونجوم السماء التي تفيض بالأنوار».
‏***
حين تأتي، ينحني الشجر.. تشرئب أزهار الجمال.. نحلّق في الأعالي .. نعانقها ونحضنها بحنان دون أن ينهرنا الحارس الليلي.. هي الحبيبة التي تنتظرنا كل مساء على شرفة القمر، فتضحك السماء ولا يلومنا أحد.. جميل أن نصير قلباً في جسدين، فيبتسم الورد وتزغرد أقمار الياسمين التي تدعونا إلى مساء راقص والى أغانٍ تذوب فينا، نصير وإياها شرائط تزيّن جدائل التلميذات المطرزة بكلمات قصائد كتبناها على أوراق.. أبقيناها سراً وأبعدناها عن عيون من يتباهون بالماضي وتواريخه..
***
إرتمى الرجل في زاوية ضيقة قبل هبوب العاصفة المصحوبة في مثل هذا الفصل ببرد شديد.. التصقت به غيمة لا تمطر!!! خبّأ أحلامه وترك وردة تحرسها.. فكّر بأشياء مختلفة.. نهره صوتٌ في بعيد، لأن الوقت ليس لائقا لسقوط دموعه والمكان لا يتّسع لبوحه أو صراخه، لذا صمت، بينما راحت الريح تهزّ ستائر غرفته.. تحاشت عيناه النظر إلى الليل القابع وراء النافذة.. حاول أن يقترب من المدفأة، لكنه فشل وراح يُصغي إلى المطر وهو ينساقط بعنف.. تفاجاً بوقوف عصفور على حافة النافذة وهو يرفّ بجناحيه من خلف زجاجها، لكنه لم يقوَ على النهوض ولا على فتح النافذة.. العصفور غادر وقد أذهله جبنه!! لم يحفل بغضب العصفور.. تذكّر صورته الممهورة بختم الحكومة والتي يبدو فيها بعينين متسعتين ودهشة لا معنى لها.. رأى الأشياء تبهت ببطء فأحنى رأسه.. وقد خضع تماماً لعوامل الطبيعة.. حتى رقّاص ساعة الحائط جَمُدَ في مكانه وتوقّف عن الحركة.. لكنه غفا رغم الخوف الذي لامس قلبه، ولم يستيقظ إلّا على تغريد العصافير وأصوات الجيران المهلّلة والفراشات التي زيّنت الحدائق معلنة رحيل العاصفة، وقد نسي الجميع أسمها حين أشرقت الشمس..