بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 آذار 2023 12:00ص نسف جوهر العلاقات الإنسانية فيما يُسمّى ما بعد الحداثة

حجم الخط
أزمة ما بعد الحداثة في الرواية العربية والثورة على الأعراف الإجتماعية التي ما زلنا نتمسّك بها في هذا القرن الذي خلط بين الأدب الروائي المرن، وبين عشوائية ما بعد الحداثة، وعدم فهمها كما يجب لتأتي الرواية العربية المسماة تفكيكية بعيدة عن المنطق. فهل نسف جوهر العلاقات الإنسانية فيما يسمّى ما بعد الحداثة هو ثورة داخل الأدب على الأعراف الاجتماعية المتوارثة بجنون يثير الفوضى، ليبدأ عصر الأدب الثائر على الأعراف؟ وهل من أعمال أدبية يمكن الاعتماد عليها في فهم هذا المفهوم؟ وهل الانفصال عن الحركات الروائية السابقة يسمح بتبديل القيم تحت مسمّى ما بعد الحداثة؟
لا ينتمي تفكك الأعراف الى سلبيات زمن الستينات، بل الى النقد المجتمعي الهزلي بأسلوب يميل الى الذاتية، فالانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الذي أراد التغيير من خلال الثورات الهدّامة أو الى وجهات النظر المختلفة منها المؤيد والمعارض للحلول السياسية والاجتماعية، والمؤثرة ثقافيا على الفن والأدب معا، وبالتالي تفكيك الكثير من أساليب الحياة المتعارف عليها، ومع ذلك نقد ما بعد الحداثة لا يعني انتقاد الحداثة التي صاحبت الكثير من الانقلابات على الأفكار القديمة ومنها الخروج من المنظور الأفلاطوني والمثل العليا للهبوط على أرض الواقع دون اضرار في الأدب، وان اتجهت الرواية حينها اتجاها مختلفا الى انها لم تصل الى التشكيك والاتجاه نحو الذاتية، والتفصيل الهش في واقع غير متوازن، ويلامس الهلاوس الذهنية كرواية «البشر الثالث» للكاتب «طلال سيف» الذي دنا من العبث السردي وانتقد الأدب وفق تداخلات هي متاهات فلسفية مؤطرة بعدة نقاط وزعها عشوائيا، ليلتقطها القارئ مفككة، ويجمعها بتكنيك أشبه ما يكون فصل الأشياء عن بعضها البعض. فهل نرفض التطلعات الأدبية تحت مسمّى العبثية، أم ان عقلانية الأدب الروائي تحتاج العودة الى الرومانسية المفعمة بالجمالية بعيدا عن التيارات الأخرى المهيمنة على الأدب الروائي؟
تتناقض المواقف بين مؤيّد ومعارض لمسمّى رواية ما بعد الحداثة، لأننا لم نلمس حتى الآن النخبوية في الأعمال الروائية القائمة على إعطاء الكثير من مصطلحات ما بعد الحداثة، بعيدا عن التعقيد في المفاهيم القائمة على أساس العمل الروائي، والتجديد فيه دون أي خلل في البنية الروائية الحديثة أو وضعها ضمن موضوعية تضفي نوعا من القبول بها دون الحرص على مبدأ الذاتية والتجانس، والتنافر والتنوع في تخطيط المواقف غير العقلانية المقترنة بشخصيات مهزوزة بعيدة عن الواقع، وغارقة فيه بإزدواجية منفتحة على تأويلات كثيرة ولا حصر لها، رغم انها ترفض الماضي وتندمج بالثورات ضد التقاليد القديمة، ولا تنتمي الى التجريب ولا يمكن لها أن تتعايش مع السيرة الذاتية إلا من حيث التكنيك التعبيري والسرد الفوضوي. فهل من تأويلات لمعنى ما بعد الحداثة لا يمكن الوصول إليها في ظل الوضع الحالي للأدب الروائي؟
ان دفع العمل الروائي نحو ما بعد الحداثة هو مغامرة تؤدي الى عدم الإيمان بالعقلانية الأدبية المؤدية الى إضفاء طابع السرد الشرعي لواقع بشري يمرُّ بالكثير من المتغيّرات التي لا يمكن تسميتها بالتحرر، لأن التحرر من الحداثة والانتقال لما بعد الحداثة يحتاج للكثير من الأسس البنائية ومناقشتها مناقشات فعّالة تنجب روايات عظيمة تقترن بمسارات تاريخية لرواية تطويرية تخدم النظم الاجتماعية، وتعيد تصحيح الأعراف وتضعنا أمام النشء الروائي الجديد بعمق سلس يساهم في خلق المواقف الإنسانية التي تخدم البشرية، وتعيد إصلاحها وفق الأسلوب الفكري البنّاء والسليم، وبمعايير أدبية ذات رؤية تثير الاشكاليات وتضع علامات الاستفهام لولادة لا تنفصل جذريا عن المسار التاريخي الروائي وأهدافه الحقيقة منذ نشأته حتى الآن.