بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 حزيران 2023 12:00ص هل تتعارض الثقافة الرقمية مع الكتاب والكتّاب؟

العالم الرقمي العالم الرقمي
حجم الخط
تتضح العلاقة الحميمة مع كل ما هو رقمي يوماً بعد يوم حتى مع جيل اعتمد كليا على الكتاب الرقمي، وعلى الكتابة بالحبر والقلم والرصاص. فالتأثيرات الحسية من رائحة ورق وصوت حفيف قلم الرصاص عند الكتابة، ما زالت تغري الكتّاب الذين يفتقدون طقوسهم القديمة في الكتابة والقراءة، إلّا أن بعض الحقيقة الثقافية على أرض افتراضية يتم تصميمها لتكون بمثابة الواقع الإفتراضي غير الواضح بمعالمه في مزج الحدود بين الواقع والخيال، من حيث الخطوات الرقمية القادمة باتساعها النفسي، والآخر الواقعي من حيث سهولة الحصول على الكتاب الرقمي، وحتى المعلومة التي يبحث عنها الباحث أو الكاتب. فالأفكار الجديدة تدفع بصاحبها نحو ابتكار الكثير من المواضيع التي تهمّ المجتمعات من حيث القيم والأخلاقيات وتنظيم الأفكار التي يمكن الإعتماد عليها في تشكيل المؤثرات الفكرية المتمثلة بخصوصيات هي مفاهيم فردية تجتمع مع بعضها البعض، وتتغربل في الأذهان، لتتكوّن ثقافات مختلفة هي حصيلة رقمية نقطفها من هنا ومن هناك، وإن كانت أسسها من كتب ورقية تحوّلت في هذا العصر الذي تم خلط الأوراق الثقافية فيه، لتصبح بمتناول الجميع حيث شهدنا ولادة الكثير من الفنانين الرقميين والكتّاب أيضا، وهذا كله مرتبط بالتحديث، وبعلم التكنولوجيا الذي تطوّر، ليشمل الثقافة التي يسعى من خلالها الجماعات أو الأحرى المجتمعات، لتحقيق الأهداف العالمية من التطور الثقافي بأبعاده كاملة التي تزيد من رفع القيم والأخلاق، ليزداد العلم اتساعا، وبذلك نصبح أكثر قدرة على الإختراعات التي تسهّل تعزيز قيمة الثقافة في تشكيل إنسان الغد. فهل تتعارض الثقافة الرقمية مع الكتاب والكتّاب؟ وهل أكل التقدم العلمي الحلم بالإنفتاح الثقافي، ونحن ما زلنا نتمسّك بكل ما هو تقليدي ثقافيا؟ ومتى تصبح الثقافة الرقمية هي البنية الأساسية في تحقيق النبوغ الإبتكاري؟ وهل سنلغي يوما ما عناء السفر والإنتقال من مكان إلى آخر لحضور ندوة أو أمسية أو مؤتمرات يمكن لنا المشاركة فيها رقميا، وعبر فضاءات الشاشة المفتوحة للجميع؟ وهل نمتلك الشجاعة لفعل كل ذلك؟
تتعقّد العلاقات يوما بعد يوم بين الثقافة الرقمية والعالم الآخر الذي ما زال يتمسّك بالورق والحبر، والبحث عن المكتبات وغير ذلك من الأمور التي ما تزال في جدلية كبيرة، واشكاليات تتجاوز التحديات الإختزالية للوقت وللمكان، ولسرعة البحث والحصول على المعلومة. فالمسائل كلها ما زالت تتحدى ذاتها من حقوق نشر وحقوق مؤلف وسرعة انتشار كاتب عبر الـ«تيك توك» أو «تويتر»، أو غير ذلك من شبكات التواصل الإجتماعي التي من شأنها خلق طبيعة خاصة بالأدب الذي شهدناه مؤخرا من صعود كتاب ونجاح كتاب أو فشل لكتاب، وتحطيم وتشويه صورة وكتاب وكل ذلك من خلال ربما ابتكارات يُكتب لها النجاح فعلا لجدارتها رغم أنها صعدت رقميا على درج الثقافة، وربما هي إعادة تدوير بالنسبة للبعض، وحتى تجميع كلمات من هنا وهناك دون التغلغل في العمق الأدبي. فالبرغم من أن الجوائز الأدبية التي مُنحت للكتب الإلكترونية كانت حقيقة لصدور تلك الكتب ورقياً أولا ومن ثم إلكترونيا، وهذا ربما يتبع سوق الكتاب واهتمام الناشر بالربح والخسارة إلّا أن هذا لا يعني أن بعض المشكلات إن لم نقل المشكلات الرقمية برمّتها ما تزال بحاجة للانفتاح على الثقافة الرقمية بغض النظر عن مشكلاتها الكثيرة المرتبطة فعليا بالتطوير الثقافي. فالأدب لطالما ارتبط بالكتاب والكتاب الرقمي يتواجد للحصول عليه بسرعة البرق كما يقال. فلماذا التشكيك بحقيقة الثقافة الرقمية والأدب الذي نحتاجه لتقوية الأركان الأخلاقية في مجتمعات باتت تتجه كليا نحو الذكاء الأصطناعي والاستثمارات وما إلى ذلك. وهل يحق لنا القلق بشأن الأدب الرقمي أو بشمولية أكبر بالثقافة الرقمية وتطوراتها في ظل الطفرة الرقمية الهائلة التي شهدناها والتي سنشهد ثورتها الكبرى لاحقا في الأيام القادمة؟ أم أننا نريد التمسّك بما هو تقليدي ونعيش عتمة العصر الذي لا يمكن أن يشهد أي تقدّم رقمي ثقافي في ظل كل هذه المهاترات بين الكاتب والكتاب الرقمي أو الأصح بين سوق الكتاب الرقمي وسوق الكتاب الورقي؟ أم أننا أمام زمن سيصاب بالعقم الأدبي وبالإنتاج العلمي؟