4 تموز 2023 12:00ص يقظة الوردة

حجم الخط
لا تنام الوردة، تظل على يقظتها، مهما طال الليل، مهما غمرها الظلام، تتدثر بنفسها فقط، تراجع كتاب الورد على مخدتها، تقرأ الأحلام في وريقاتها، تقرأ أحلامها في أوراقها.
تراها تكبر، كلما إتسعت أوراقها للشمس.. تراجع معها دفتر الذكريات، تنفض للندى أسرارها، ثم تؤوب إلى حضنها.. حضن الوردة، مثل عصفور يتفتح في العش، مثل عصفور يطير وردة.
ما أجمل الوردة الرعناء. ما أجمل الوردة الحمقاء. ما أجمل حمق الوردة. ما أجمل عنادها. ما أجمل معاندتها للريح تشرع جبهتها لها، تسرحها، ترش عليها بعض ماء الورد، تطيب الأنسام المقبلة، تغالبها.. تغالب النوم، ويغالبها، ثم تستريح بلا غلاب ولا منّة ولا غلبة.
لا أحد يغلب الوردة. لا أحد يجرؤ على الوقوف قبالتها، على التحديق فيها، على جعل عينيه في عينيها. لا أحد يجرؤ على ملامستها، على مصافحتها، على لمسها، على مسّها، على إطالة المكوث أمامها.. لا أحد.
الوردة، فقط، بوصلة العشاق، إلى القبلة الموحّدة.. بوصلة العشاق إلى القبلة الواحدة.
يقظة الوردة، مثل سراج أبى أن يغفو، دوام كامل مع الساهرين حوله، مع الساهمين حولها، دوام كامل مع الخاشعين، مع الساجدين، مع المتبتلين. يقظة الوردة دوام كامل مع العابرين بها. تسلّم عليهم تعدهم واحدا واحدا. تسابق خطوهم، تثبت أنظارها في وجوههم، تحييهم عن بُعد، ثم تدعهم يمضون، وفي أيديهم أثر الفراشة، أثر الوردة.
تدعهم يمضون.. في قلوبهم أيضا، أثر الوردة. في نفوسهم أثر الوردة. في عقولهم أثر الوردة. وعلى ثيابهم ظل الوردة.
الزحام على الوردة شيء طبيعي، كل يريد ضوعها. ها هو الصباح يستيقظها، يخشى أن يخدش يقظتها. ها هو المساء يؤمّها، يخشى أن ينام على خدها. هلا رأيتم مساء غفا، على خد وردة؟! نلمّ المساء عادة، عن خدود الورود، عن المخدات، حطّت عليها الفراشات، تستيقظ القنديل، تفديه بنفسها.
يقظة الوردة عمر جميل، طبيعتها التلفّت الدائم. طبيعتها، التفتّح الدائم. طبيعتها الحلم. تنفح الحلم الوردي من يدها، فيستقر على خدود العاشقين، آية آية. تبث الرسائل، في جميع الجهات.. ثم تسأل الشمس عن وصولها. ثم تسأل الريح عن وصولها. ثم تسأل الندى، هل طار بها؟!
يقظة الوردة جناح طير يرفرف على جبهة الشمس مثل شال من شالاتها، يرفرف على غرّة الصباح، على جديلة العروس، على قوس طفلة صغيرة، زيّنت بها خصيلات شعرها. يقظة الوردة، حلم يوم كامل، من الشروق إلى الغروب.. بل حلم الشروع عشقا، من الغسق، إلى الشفق.

أستاذ في الجامعة اللبنانية