بيروت - لبنان

اخر الأخبار

26 تشرين الأول 2022 12:00ص يوم بلا ماء يوم بلا كهرباء

حجم الخط
نشأت أجيالنا كلها، منذ قديم الزمان، بل ربما، منذ العصر الحجري، الذي وعدنا الرئيس بوش بعودته إلينا، على حفظ حكمة تقول: «الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك».
سارت الأجيال عمرها، على أساس من هذه الحكمة. صارت تحفظها عن ظهر قلب، صارت تعلّمها لأبنائها، صارت هذه الحكمة، أول الدروس التربوية، أول دروس كتاب الأخلاق والتنشئة الوطنية.
يدخل التلاميذ إلى صفوفهم، فيقف مدرّسهم إلى اللوح ويكتب: الدهر يومان: يوم لك، ويوم عليك. إشرح وناقش هذا القول. فيتبارى التلاميذ في الشرح والمناقشة، وتحكك الأذهان، وتدوّن الإستشهادات، ويضع المدرّس لتلاميذه العلامات، على أساس من جودة الشرح والمناقشة والإضافات.
أجيال طوتها أجيال، من أقصى لبنان إلى أقصاه، على رواية هذه الحكمة، على حفظها عن ظهر قلب، حتى طارت على كل شفّة ولسان، يحفظها الصغار والكبار، ويردّدها المتعلمون والأمّيون. وتخترق القطاعات كلها. وتخترق الرجال والنساء وينام على تردادها العجزة والشيوخ. كانوا يرددونها بإستمرار، ولا يحفظون غيرها. فما كان يطويها النسيان، كما يطوي سائر الأقول الحكمية من شعر وعظات و أمثال.
بعد آلاف الأعوام، وبعد آلاف الأجيال، وبعد إنتقال الإنسان للسير في الفضاء، للسير على ظهر القمر، للتجوال بكل حرية، بين الكواكب والمجرات.
بعد آلاف الأعوام، التي قضاها اللبنانيون في الحروب، من أجل غد أفضل، من أجل أن ينعموا بالسلام، بالسيادة وبالحرية وبالإستقلال، من أجل أن ينعموا بالراحة والكفاف.
واجههم المسؤولون بنسيان الحليب الذي رضعوه، والحكمة التي تربّوا عليها. واجههم المسؤولون بحكمة جديدة، يجب عليهم حفظها، تحت طائلة المسؤولية، طلبوا منهم تعليقها، في صفوف المدارس، في صفوف الجامعات، في صدارة المكاتب، في صدارة الإدارات، وطلبوا من الصغار والكبار تردادها حتى تكون لهم أرجوزة، حتى تكون لهم أغنية، يرددونها في الصباح وفي المساء.
قالوا لهم بالفم الملآن، بلا تحفّظ، احفظوا منذ اليوم، أمثولتكم، عن ظهر قلب. علّموها لأجيالكم، ولا تدعوا أحدا يلعب بعقولكم ويفسدها. احفظوا عن ظهر قلب: الدهر يومان: يوم بلا ماء ويوم بلا كهرباء.
قالوا لهم: يشمل التعميم كل لبنان، من أقصاه إلى أقصاه، حتى لو احتاج الأمر إلى إطفاء المولدات. حتى لو احتاج الأمر إلى تخريب الشبكة وتخريب القساطل وتخريب الأنابيب، وسرقة المازوت وبيعها في السوق السوداء. حتى لو احتاج الأمر لتهريب الماء إلى «الستيرات». وتهريب الفيول والتهرّب من دفع المستحقات، والتهرّب من الإصلاحات، والتهرّب من تطبيق القوانين المرعية الإجراء.
اللبنانيون اليوم ينفذون طوعا، وبلا أي إكراه، حكمة المسؤولين: يوم بلا ماء.. يوم بلا كهرباء.
مدن وقرى، صدئت شبكات مياه الشفة فيها، لإنقطاعها عنها، منذ أعوام، ولبيعها لأهل السلطة والنافذين والمتعاملين مع العملاء. مدن وقرى، قطعت أسلاكها، بيعت خرضة في الأسواق، لأن الكهرباء إنقطعت عن بلادهم، منذ أعوام.
المدن العواصم في لبنان، تهرّب السياح، لأنهم يزورون المتحف على الشمعة. ويرتشفون الماء كما يرتشفون القهوة المرّة. ويتعطّرون برائحة النفايات التي تملأ الشوارع، وتتكدس قرب المزارات.
يوم بلا ماء، يوم بلا كهرباء.. هذا هو شعار المسؤولين، يفرضونه فرضا، على بلاد الثلج والأنهار وخزانات المياه في قنن الجبال. يفرضونها فرضا على اللبنانيين، حين يسرقون المازوت والفيول ومحطات التحويل وخطوط الكهرباء.
الدهر في لبنان، خلافا، لكل أوطان العالم، يومان: يوم بلا ماء.. ويوم بلا كهرباء.

أستاذ في الجامعة اللبنانية