بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

29 كانون الأول 2023 12:00ص آخر السنة.. أول السنة!

حجم الخط
آخر السنة، أول السنة، ما الذي تغيّر؟ لا شيء. كان يمكن للتغيير أن يكون تقدّما. أما أن يأتي تخلّفا وتراجعاً حدّ النكبة، فهذا ما لا يمكن قبوله ولا تحمّله. لكن كيف للتغيير أن يكون إذا كان الكلام هو الكلام، وإذا كانت العبارة التي تصوغ الحياة هي العبارة نفسها. من يقف على سؤال صباحيّ عابر مثل: كيف حالك؟ طالما الخطاب واحدا أبدا لا سبيل إلى التغيير. صحيح أن الأفكار تصنع الخطابات، بيْد أن هذه الأخيرة كثيرا ما تستعمر الفكر والعقل. يصبح الفكر أسيرها والسجين العاطل عن الأمل وراء قضبان تعبيراتها. وكلّما بدا التغيير بعيد الأفق، صار الخطاب أشدّ تأثيرا واستحواذا على العقل. ومن عادة الخطاب العربي خصوصا أن يكرر نفسه بل أن يؤبّد نفسه. هكذا يرسم حدود التفكير لأجيال متعاقبة كثيرة. وهكذا يبني أولياته بما يتناسب مع دوامه ثم يفرضها على الناس بالقوة. عندما يمرّ عام كامل على شعب أو أمّة، ولا يسأل كلّ من كان عليه أن يسأل من موقعه، عن الحال والمآل، وعن الماضي كيف مضى، وعن المستقبل كيف سيُستقبل، فاعلم أن الخطاب هو وحده الذي يسود بينهم. ذلك أن الخطاب له اتجاهات خاصة ليست بالضرورة زمنية على الشكل الذي نفهمه جميعا. فهو قد يجعل من المستقبل ضرباً من الماضي المتخيّل، كما يجعل من الماضي أيضاً ضرباً آخر من المستقبل الموهوم. إنه يعمل برشاقة فائقة ما بين بين، ويحسب تنقلاته بعناية شديدة كي لا يخسر من سطوته على الواقع، وكي يترك لأي تغيير مفاجئ أقل هامش ممكن. يبدأ التغيير عندما يتزحزح الخطاب على الأقل. كي يفتح عيونه على الواقع بدل أن يرسم للناس في كل مرة واقعا منزاحا. وليس ذلك بالأمر السهل، إذ دونه مطالب كثيرة تقع مسؤوليتها على القاعدين في رأس الهرم وصولا إلى القانعين في أسفله. ولا يتوهمّن أحد أن التغيير لا يمنح نفسه سوى إلى الجماعة أو العصبة. بل هو محك كل فرد على وجه الحياة. إذ وحدهم الأموات لا يتغيّرون إلا عَرَضا. أما الجوهر الحقيقي والصلب فهو للأحياء في كل شيء: في أرواحهم قبل أجسادهم، وفي كلامهم قبل أفكارهم، وفي قلوبهم قبل عيونهم. عندما لا يصبح السؤال في الصباح فلوكلورا للقاء الصدفة، وعندما لا يتعدّى الكلام في الأحاديث العامة على وقته المحدّد له، وعندما يتقلّص الخطاب السياسي إلى حدوده الدنيا والبيان الصحفي إلى أقل من خلاصة. وحين لا تأخذنا الشعارات في رحلة ابن بطوطة، فلا نلقى من بعدها مكاننا، ونفهم جيدا بواعث العالم ومحرّكات آلاته العملاقة، ساعتئذ سنتعلم كم نعدّ السنوات بالحسنى، وكيف نودّع سنة ونستقبل آخرى باقتدار وحكمة، بدل ألا يكون لنا ما بين اللحظتين سوى إسقاط ورقة توت أخيرة في روزنامة حضارتنا. أرجو ألا يقرأ أحد في كلماتي تشاؤما مريضا أو تفاؤلا مصطنعا. أنشد التغيير فقط: فلنتعلّمه جيدا أولا، ولنجعله أنّى شئنا ثانيا!
أخبار ذات صلة