بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

15 أيلول 2023 12:00ص أسدٌ داخل مصعد!

حجم الخط
كانت قطة تجلس في عين الشمس. وأنا لا أحب أن أزعج القطط أو أقطع عليها حبل أفكارها. هل القطة تفكّر؟ إن كانت تحلم بالفعل فلماذا لا تفكر إذا؟! اعتدنا القول إنّ الحيوانات الدّنيا لا تُفكّر. وربطنا التفكير بالتغيير. قلنا إنّ النحلة لا تزال على عسلها قائمة منذ آلاف آلاف السنين. كأنّ في ذلك عيب أكيد. وكذلك تفعل الأسود والغزلان على الأرض والطّيور على أشكالها في السّماء. الإنسان وحده يتحسّن. فاتنا القول إنّ العبرة في الغايات الأخيرة. فنحن نفسد ونخرّب ونسفك الدماء ونظنّ أنّنا مفلحون. أي تفكير هذا؟ بُعداً لهكذا تفكير! تفتح القطة عينيها. فهي لا تخطئ الرؤية غالباً لا في النور ولا في الظلام. تعرف عدوّها جيدا. أوحت لي بالاطمئنان. رفّة جفن سريعة تكفي. بُعداً لكلام لا تطمئن به القلوب. جلست القرفصاء قبالتها.مسحت على رأسها قليلا ثم مشيت. تابعت نومها. قطة أخرى صغيرة صادفتها تحت مركبة متوقّفة. علا وجهها الغبار ونحل جسدها الجوع. ركضت نحوي تستغيث. أحسّت بعاطفتي تجاه بنات جنسها. وكان لها مني ما أرادت. تخيّلت طفلا مرمياً على الطريق. هل كانت لترُضعه القطط فلا يموت جوعاً؟ وسمعت قطة تصرخ فيقطع الألم صرختها. كانت مختبئة تحت مركبة متوقّفة. ما أكثر المركبات التي لا تتحرّك في مدينتنا وإذا ما تحرّكت لا تصل إلى مبتغاها. قال جيرانها أنّها على وشك الوضع مجدّدًا. تخيّلت امرأة برفقة زوجها وأمّها وأختها وابنة خالتها وصديقتها تزرع المستشفى بالعويل. الطلْق البشري مؤثّر. ألم المخاض والولادة الذي لا يعرفه الرجل أبداً. الذّهب في عيد الأم. لكنّ الأم القطة ليس معها أحد كي يشهد قيامتها وخلاصها. تابعت طريقي. فلكل واحد طريق يمشيه. العبرة في الاتجاه وفي بُعد المسافة أو قربها. هممت بطلب المصعد. ماذا لو كان في داخله أسدٌ ينتظرني؟ هل كنت سأفاوضه على حياتي؟ هل كان سيمنح لحمي الطريّ الوقت الكافي للشرح والتفصيل. هل كنت سأقنعه بأنني بريء ولا علاقة لي بصيّادي الأسود وبهواة الأزياء المصنوعة من جلد الحيوانات المفترسة؟ هل كان ليصدّقني بينما ضربات قلبي التي يرهف إليها السمع تضبط لحظة هروبي المحتملة. ماذا لو أخرجت سلاحي بغتة؟ هل كنت سأعفو عنه وأخلي سبيله؟ الصّرصار الذي لمحتُه بالأمس فجأة وهجمت عليه بالحذاء العتيق حتى قطّعته إرباً بعدما حاول مراوغتي، لم أترك له أي فرصة للنجاة. لم أشعر بخوفه وهو يبعط شديدا بل كنت لا أرى غير شيء مثير للاشمئزاز يتحرك أمامي. كنت أريد له أن يسكن فقط حتى لو بالقتل. قد يقتلك شخص ما على الطريق لمجرّد أن منظرك غير مريح له أو لأنّك قلت له أوفٍ في سرّك. هل هذا هو القتل بدم بارد؟ فلا سبب معيّنا يقتلك من أجله. لا عداوة بينك وبينه ولا معرفة بينكما تجرّ عليك عبئاً لا يطاق. كل ما في الأمر أن موتك شأن صغير بل ربما تافه. أنت الآن في موقع الصّرصار تبعط مثله تماماً، وهو يريدك أن تتوقّف، وأن تسكن إلى الأبد. هكذا فقط. القطة في عين الحبر ولكن لا أحد يقرأ مواءها!
أخبار ذات صلة