بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

14 نيسان 2023 12:08ص أهلًا بك أيّتها الإنسانيّة!

حجم الخط
هي المرّة الأولى التي أزور فيها دارًا للأيتام ومركزًا لذوي القدرات الخاصّة. أقول ذلك اعترافًا على إنسانيّة ظلّت ناقصة فيَّ حتّى حينه. فبدعوةٍ من زميلة أنزلت ملاكَ رحمتها على الأرض، لانتْ تلك الإنسانية أمام جزئها الضّائع. الاحتمالات التي أخطأت طريقها إلى جسدي وروحي كأنّها تلبّست كلّ البدايات المتعثّرة في هذا الكون: أطفالٌ  جميلون لعالمٍ خلفيّ، لحياةٍ ضئيلة تتحدّى أرستقراطيّة الإنجاب وقساوة الدّم. إلى هذا الألم الصّامت شعرت ذلك المساء الرّمضاني أنّني أنتمي. أفواهٌ صغيرة من حولي تأخذ حصّتها من الفرح بطعام الخير، وعيون بريئة تضحك من شدّة المواساة. بحثت عن ابني بينهم فلم أجدْه. لعلّه فرحٌ باللاشيء، بهذا الذي يستعصي على كل اقتسام. ولدٌ منهمك بالأكل يمضغ نظراتي الطويلة نحوه، وبنتٌ ترتّب ليل شعرها بفراشات ملوّنة قبل أن تستريح من كرسيّها المتحرّك في إطار الصورة الكبير. أقتربُ من طفلٍ في عينيه ساحلٌ بعيد. أسألهُ عن اسمه وعن عمره. أُرجعه إلى الورق وإلى الأرقام. هل نحن غير كينونة بين ورقتين؟ الابن الأصغر بين ثلاثة إخوة جِيء بهم إلى الحياة وإلى الدار. إذا كنّا غير قادرين على إعالة أبنائنا فماذا نفعل بهم؟ الأزرق السماويّ يُعلّق إجابة حزينة في هذا الوجه الصغير. يطلب منّي أن أفتح له كيس الملّبس بالشوكولا. أرضخ أمام ألحاحه رغم تأنيب المشرفة عليه. يلتهم الحبّات الملوّنات برعونة ولا يغادر منها واحدةً وقعت على الأرض. في القاعة المخصّصة للنشاطات تُقدّم لوحاتٌ راقصة على كلمات الأناشيد الدّينيّة وألحانها. فتياتٌ صغيرات يتموّجن كالأحلام البيضاء أمام ناظرينا. إحساسٌ غريب ينتابني. كم أنا ضعيفٌ في عافيتي وكم أنتم أقوياءٌ في ألمكم. أرقصُ معهم. أمسكُ بأطراف أثوابهم في دائرة تدور هذه المرّة لأجلهم لا عليهم. أوزّع عليهم العيديّات واحدًا واحدًا. يداي تسبحان وقلبي يغرق. الكلُّ سعيدٌ وممتنّ. لكنّ الأشياء وُجدت لتنتهي. حان وقت العودة إلى الغرف، إلى مقامات الوحدة، وإلى الأسئلة المعلّقة بالسقف وتلك المخبّأة تحت الوسادة. متى سأعود؟ تسألني نفسي. ربما حين تنضج الإجابات تحت الجلد وبين الأصابع التي ستُعاند الجهات. ربما حين يملأ الحزن جبهتنا فتضيء لنا طريق العودة الحقيقيّة. وربما لا يمنحني طائر الوقت هذه الربما. أهلًا بك أيّتها الإنسانيّة!
أخبار ذات صلة