في الخارج مطر ينزل الأرض على حبال الفجر. يترك برك الحبر في ورقتي. كلمات تنفض عنها مجاز الصيف وتقف أكثر رصانة تحت مظلّة المعنى. جمل تنزلق فوق بعضها مثل قلبين في عاصفة كحلية. أولاد بحقائب ملوّنة عند النقاط البيضاء وفواصل رمادية للغيم في دفاتر تشرين. أصوات في رأسي لزخّات الماضي البعيد. المدرسة خلف الجدار. والجدار حكاية خضراء عالية. على رصيف العمر خطى مكدسة كالعيون الجريحة. البرد في جيب المعطف يتهيّأ للشتاء. الناس على مفارق الطرق يبحثون عن وجوهٍ تقيهم بلل اللقاء. المياه خرائط مائعة تحت أقدام المارة المسرعين. أقلامي سوداء عريضة تحت سماء روحي. هنا طفل يركل غبار الوقت بصرخة، وهناك رجل يمسح دموع الوقت بكلمة. العالم يسيل فوق الواجهة الزجاجية للمقهى البحري. وضباب البنّ في فنجان قهوتي يرسم قوس قزح من الأفكار الدافئة في مخيّلتي. متسوّلة شابّة تجمع القطرات في سلال النّهار وتهمّ بالرحيل إلى اللامكان. سيارات تصعد مع أبواقها وتملأ الأفق بالدخان المريض. كلاب تجرّ أصحابها خلف غريزتها وأخرى تنتظر بفارغ لهاثها دورها في العيادات البيطرية. الشجر يهتزّ كالوتر فوق السطور العطشى للّحن. كلمات تعطف على الأخرى كالأم أحياناً وتطعنها في ظهرها كالمرآة أحياناً أخرى. بائع كعك مُسنّ يعطّر الموج بالزعتر الصباحيّ الرقيق. أحدّق في كل شيء فلا أرى غير ظلال تضحك من تعبها وشاطئ أقرب إليّ من يدٍ ممدودة في الحلم. أمشي خفيفاً مثل وردة في مجرى عطرها. أعلّق على البخار الكثيف نظراتي العالية وأنشر للمطر صفحاتي الداخلية. فتحت الماء لا أحد يعرفني في نقائي الشتويّ المهيب. عندما أخرج من حديقة عزلتي نبتةً زرقاء لغد ممسوس بالذكريات. العالم مبلول كمنديل في يدي وكأغنية بين نغمين وكأمنية في فم النهر. حسناء تلطّف الجو بشعرها الفجريّ وتبدّد غبش البياض بين أطراف كلماتي. لم أُنهِ بادرةً ظلّت ملتصقة بالفراغ الأعلى. حملت قنديلي وغادرت. كان الشتاء في الخارج يُعيد ترتيب قلبي على إيقاع الإسفلت.