بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

2 نيسان 2021 12:00ص الأبيض عنوانٌ للموت أيضاً!

حجم الخط
يُفزعني كل حديث عن الحرب الأهلية من أي مصدر جاء وعلى أي نحو أتى. نصف قرن يزحف على بطن هذه الذكرى السوداء الأليمة ولا تزال هي الأكثر حضورا في خطابنا نحن الذين ولدنا في جحيمها وكبرنا بين ألسنة لهيبها. أجيال كثيرة غيرنا لم تشهد على قذارة تلك الحرب لكنها تتنفّس معنا اليوم رائحةَ فمها الكريهة وهي تنبعث من كل مكان وكلام. أي إفلاس سياسي هذا الذي يُملي علينا استحضار الحرب عند أقدام كل منعطف، وفي قلب كل محنة؛ كأنّ حبل الدم المهدور هو حبل خلاصنا الوحيد. خلاصنا من أنفسنا. الانقلاب الأقصى على الذات حين تتحوّل إلى وقود حيوي لكل عمليات الانقسام والانشطار النووي في العالم. 

نبرةُ الحرب لم تفارق أصواتنا مهما تدثّرت هذه الأخيرة بأغطية بيضاء. فالأبيض عنوانٌ للموت أيضاً. الحربُ هي الحرب على أيّ جهة في مخادعنا نامت، ذات الشمال أو ذات اليمين أو في الوسط بين المرء ونفسه، بين الأخ وأخيه، بين الجار وجاره. 

الحرب هي الحرب، كل المرايا تعرف وجهها المقرون بالكراهية العمياء وبالحقد المدعوم بتاريخ الأمراض المزمنة: نُهدّد بها؛ نُساوم عليها؛ نفتح أبوابها ليلا ونُغلقها نهارا. «نؤذّن» لها نحن المؤمنين بـ«قداسة» نارها الطاهرة! كأن لا أحد سينقلنا في سفينة النجاة إلا الحرب: من النار إلى النار نعود. كأننا لا نُسافر في الأزمنة الصعبة إلا محمولين على أكفّ الدم في توابيت أفكارنا المحترقة وبقايا ذكرياتنا النتنة. 

هوذا رمادنا ننفخ فيه حرارتنا الأخيرة، ونعتني به كلحية حكيم يستعد للخروج إلى الناس. لكن من ذا الذي سيخرج علينا يوماً ليُبلغنا ما لم تبلغ إليه عقولنا في رحلة دورانها الكبرى حول هذا اللاشيء الذي يبتلع كل أشيائنا؟ من ذا الذي لا يخاف الحرب إلا سراً يُلقّمه للتابعين والمحروسين ببنادق أطول من جغرافيّتنا؟ فلتكن الحربُ خريطتنا الأكثر دقّةً ورسماً كي تتميز فيها الجهات الأربع..  فأين حكماء الحروب؟ هل من يجرؤ منهم على النّظر في عيون المستقبل المغمضة حتى الآن؟!


أخبار ذات صلة