بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

11 آب 2023 12:00ص الأسئلة أصدقائي

حجم الخط
الأسئلةُ أصدقائي، يلعبون معي بلا كللٍ، ولا يتوقّفون عن تسليتي. الأجوبةُ مطروحةٌ في الطريق، يعرفُها العابر والمقيم، لكنْ للأسئلةِ شأنٌ آخر:  نُخبّئُها تحت الوسادة؛ فلا يجدُها بين أيدينا أحد. وعندما نشِبُّ على السؤال، يصيرُ جسرَنا الوحيد نحو الآخرين. وكان الصبيُّ سؤولاً مع الجميع، لكنّه حرونٌ عند الإجابة. يسألُ ليشعرَ بالراحة. وحين يبادرُه أحدٌ بسؤالٍ، يظلُّ يتلمّظُه باستمتاعٍ حقيقيّ، ويُخفي في فمه نصفَ الإجابة. الأسئلةُ مشنقةُ الإجابات. وهو وجدَ في الإعدام عقوبةً عادلةً لكل إجاباته السّابقة. عندما تكون حزيناً تنهالُ عليك أسئلةٌ جديدة، لا يجلُبُها إليكَ الفرحُ أبداً، ولا الطمأنينة. يأخذُك الحزنُ إلى أوديةٍ سحيقةٍ فيك، فيعْبُرك نهرٌ من المرايا يجرُف ظلالك الماضية. ولا يُخيفكَ حينئذٍ أنّ السماء من فوقك كاشفةٌ، وأنّك تتغطَّى بالأسئلة. وزار التمرّدُ الصبيَّ مراراً حتّى استقرَّ عند بهو روحه. وصار للشيء الواحد في عينيْه مناظر عديدة: أرى الوجوهَ ولا أرى الشيء، أرى المرايا ولا أرى أنايَ. وانتبذَ الصبيُّ من أهله عقلاً قصيّاً، والأيّامُ تُقلّبهُ على حيْرةٍ تكبُر، وعلى عجل يشتدّ. عندما لا نموتُ في الحرب، نجمعُ بنادقَ أسئلتنا وننزلُ بها من بيوتنا إلى الشارع. نحاربُ بدورنا: فنقتلُ ونُقتل. العالمُ جبهاتٌ ودخانُ أحلامٍ؛ سلالمٌ زلقةٌ نحو السماء، وحصونٌ تعُضُّ على الأرض بنواجذَ خوفها. وكانت الهُويّة تحشِرُ نفسها عنوةً بين رأسه والكتاب. كتبٌ من كلّ شيء، يقعُ اختيارُها من مكتبةِ أبيه العالية على ظهره الرّخو القسمات، فيحمِلُها بكبَدٍ ومكابرةٍ، قاطعاً بها مسافاتٍ في نفسه عن نفسه. نقرأُ صفحاتٍ أكثر لنبتعدَ عن المقدّمة فينا، ونكتبُ كي نرى إلى أنفسنا آخر. هذه المرايا في البيت تُحاصرني، ولا بدّ أن أستلَّ لي وجهاً من الشمس قال الصبيُّ في سرّه اللغويّ. ازدحامُ مواقفٍ في الممر الصّغير لروحه، وهو ضالعٌ بين أكوامها، يُفتّش عن بوْصلةٍ لغيابه الطريّ. نغيْبُ لنحضرَ من جديد.
أخبار ذات صلة