بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

7 تموز 2023 12:00ص الأغورا

حجم الخط
محاورة الناس مهمة ثقيلة. لا يقدر عليها إلا متمرس فيها أو متعود على خيباتها. وأصعب ما فيها أن يبدأ الشدّ والجذب بين الأطراف المشتركة فيها لأن ما عليه يدور التحاور بينهم هو الرأي لا الفكرة. ولطالما كان مجرّد الرأي وليس الرأي المجرّد على ما تمنّى الفلاسفة سلاحا خطيرا في يد صاحبه يوجهه إلى صدر وقلب كل حوار ممكن فيقطع عليه النفس الأخير ويحيله ركاماً من الصراخ والعويل. هناك أناس يعشقون الحوار ويفرحون بالنقاش مع القريب أو البعيد. سواء نجحوا فيه أم لم ينجحوا. وهناك آخرون لا يحصدون منه طائلا؛ فيرتابون به ويبتعدون عنه ما استطاعو الى ذلك سبيلا. إذ أن الحوار لأجل الحوار قد لا يُفضي إلى شيء، بل يصبح بذرة جديدة للخلاف وباباً آخر للاختلاف. وغالباً ما يُرمى بفشل الحوار في سلّة الجهل بمبادئ الحوار وآدابه. وفي هذا القول قسط للحقيقة عظيم. فإن تحاور يعني أن تعطي حقا لمحاورك لا أن تفرض عليه حقا تراه أنت. بعبارة أخرى، أن تحاور يعني أن تتنازل في شيء هو عندك لتقبل بشيء آخر هو عند غيرك. لأن التحاور  بين اثنين من موقع طرفيّ لكل واحد منهما، لا يتزحزح عنه أبدًا، يؤخّر بدل أن يُقدّم، ويأخذ بدل أن يُعطي، ويهدم بدل أن يبني. والعاجزون عن الحوار لا مكان لهم في المواطنية الصحيحة. إذ المدينة في نظر اليونان القدامى هي مجتمع المتحاورين والقادرين على اللقاء الحر والودّي في الأغورا (مثل سوق عكاظ للفلاسفة وأصحاب الفكر). فالمدينة - الدولة أساسها الحوار الديموقراطيّ بين الجماعة أو الجماعات فيها التي تتبادل قيم الحوار والتسامح في الرأي شريطة أن تقدر على ابتكار فكرة مشتركة تكون أعلى من الآراء جميعا. فالرأي أول الخطو. بعبارة سقراطيّة فإن الحوار يجد غايته الأخيرة في وقف الحوار. والوقف هنا لا يعني التعطيل أو تسفيل الشيء ووضعه بين قوسين من نار، بل هو ذروة الشيء المنشود وسماؤه الأكثر صفاء ونصاعة. فعندما يغيب سقف الحوار سواء في البيت أو المؤسسة أو المصنع وخصوصا في الوطن, فلا حاجة بنا بعد لتلمّس الورم تحت الجلد، لأن العين المجرّدة قادرة بنفسها على رؤيته  بسهولة على وجهه الصحيح وحجمه الحقيقي من غير وساطة. فكلما تقلصت ساحة الحوار  بين الناس توسّعت بينهم ألف ساحة أخرى للاحتراب.
أخبار ذات صلة