بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

26 كانون الثاني 2024 12:06ص التسويف!

حجم الخط
لا أدري تماما من أين جاءني كل هذا التسويف! المماطلة في إنجاز الأمور الضرورية بتعبير آخر. وجدت نفسي على هذا النحو، ولم يزعجني الاستمرار فيه، على الرغم من انزعاجي الشديد من فكرة أن يكون التأجيل الدائم أحد أكبر عناوين حياتي. الحفر في الماضي أو بالأحرى في مرحلة الطفولة قد يؤدي نفسيا إلى اكتشاف السبب. 
ربما هو الحزن غير المفهوم الذي يقع علينا مثل القرعة. فهناك أحزان نفهمها مهما كانت عظيمة: الموت، الفشل، الخيانة، والقهر. بيد أن هناك أحزانا لا نعرف عنها شيئا، تأتينا مع الرّضاعة، نكبرُ فتكبرُ معنا، نهرب منها فتلحق بنا، ننساها فتنتقم منا. أحزان لغيرنا، تلبسُنا، وتغطي عيوننا بزجاجها المعتم؛ كأننا نرى العالم دائما من خلف واجهة مكسورة لا يمكن إصلاحها أبدا. 
حزن بفعل الصدمة التي عاشها أحد غيرنا ثم انتقلت إلينا مع أمواج المشاعر السلبية التي رسمت تضاريس شاطئنا الصغير. ولأن الحزن موقف قبل أن يكون أي شيء آخر، يتولّد عنه إحساس عبثي بالمسافات: بين الرغبة والموضوع الذي تسعى إليه؛ بين حلم اليقظة والواقع الذي يتقزّم في عيوننا رويدا رويدا. يصبح الفاصل بين ما نريده وما لا نريده صفرا. فبقدر ما نرغب في الأشياء نرغب عنها، وبقدر ما نسعى إليها نفرّ منها. فأي الأشياء أحق بتأبيد معادلة التسويف هذه؟ الرغبة الدفينة في قتل الرغبة، وفي تأجيل المؤجّل: بعث الحياة في الميت من أجل إماتته مجددا! 
لعلي لم أختر التسويف عتبة مُرّة لحياتي. لعله هو الذي اختارني قبل أن أشعر بحالي، وأكرهني على الصمود فيه أحوالا كثيرة. ولعله هو الذي استولى على لغتي فألزمني بهذا الخطاب المجنون الذي ينظر إلى النجوم الملتمعة في السماء الصافية ويسقط في الحفرة، ما يُضحك عليه خادمة طاليس!
أخبار ذات صلة