بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

1 آذار 2024 12:10ص الحقيقة الأكثر زيفاً!

حجم الخط
أحد معاني "أن أحيا" هو "أن أصدّق". وإذا كان الكل يدّعي صداقة الحقيقة، فلكَ أن تتخيّل حدود التصديق في حياتنا. نصدّق أحيانا لأننا لا نملك خيارا آخر، وأحيانا أخرى لأننا نجد في التصديق راحة لنا حتى لو كانت ضربا من وهم. فالتشكيك في أي شيء أو في كل شيء، أمر متعب وغير مرغوب بين الناس بل بين الإنسان ونفسه. علينا أن نصدّق لكي نبقى على قيد الجماعة من حولنا مهما استفحل أمرها وظهرت عيوبها وكثرت سقطاتها. التصديق بطاقة الهويّة التي نحملها ونبرزها في الوسط الذي نريد أن ننتمي إليه. أقل من ذلك سوف لن يقبلنا أحد، وسوف يلحقنا العار الاجتماعي وتطاردنا الشّتيمة على كل لسان. والتصديق امتحان خطابي ومحنة كلامية حتى لو وُجدت هوّة سحيقة بين  ما نصدّق به وما نقوله تصريحا أو تلميحا. ولا يقف التصديق في حياتنا عند سطر أخير بل له في كل نصّ دالّة. إذ المبالغة في التصديق تُُعدّ من الفضائل المحمودة، وكأنّها إعلاء من شأن الحقيقة في اللحم والدم! وللناس في التصديق أيضا مآرب أخرى، من بينها شدّ العصب والاستقواء في حالات الضعف وفي حالات القوّة. ولنا في التصديق منازل كثيرة، مرّة ننزلها عفوا، ومرّة أخرى عن قصد مُبيّت. 
"لا أصدّق أحدا".. يقول صديقي الحائر جدا، والمقاتل الغمر في ساحات الحقيقة. لسلاحي فوّهتان: واحدة باتجاه خصمي، وأخرى باتجاه صدري. أقتل لكي أُقتل، وأصدّق لكي أُكذّب، ولا أقول ما أقول إلا لكي يقول غيري ما يشاء. 
يُتابع صديقي المتردّد بين كلامه والحقيقة: أنا الحقيقة الأكثر زيفا!

   
أخبار ذات صلة