أستمع إلى طبيب أجنبي يتحدث عن أهمية أن ينقطع الإنسان عن الطعام والشراب لفترات محددة خلال النهار، لما يعود عليه ذلك من فوائد صحية جمة. أنا الصائم المحتسب عند الله هذا الفرض الدينيّ المهم، أنتبه لما يقوله هذا الطبيب وما يعلن عنه من حقائق، وأقول في نفسي: ما أعظمك أيها الإسلام.
فقد كتب علينا الصيام كما كتب على الذين من قبلنا، وهو خير لنا، خير كثير، لا يحصى ولا يحدّ. فالصيام بحسب ما تواترت عليه الأبحاث العلمية الحديثة هو أشبه بعملية إعادة برمجة كاملة لجسم الإنسان وعقله وروحه.
فالامتناع عن الطعام والشراب وعن كل ما يتصل بالشهوة أنىّ كان محلها، يسمح للجسم أن يعيد ترميم نفسه، وأن يستعيد ما قد فقده من نشاطه خلال عام كامل. كأنه في ذلك يعود إلى النقطة الأولى التي بدأ منها، مثلما تعود آلة إلكترونية، كالهاتف الذكي مثلا إلى إعدادات المصنع الأولى من أجل التخلص من جميع الشوائب التي لحقت به جراء عمليات الخلط و"والتخبيص" التي تسببنا بها سواء عن علم أم عن جهل.
والصيام كما تفيد بذلك المعطيات العلمية الأكثر دقة يعمل على إعادة تفعيل العمر البيولوجي لجسم الإنسان الذي يختلف عن العمر الذي نقيسه بعدد السنين. وعليه فإنه يعيدنا من حيث لا نحتسب إلى دورة الشباب التي يغادرها الكثير من الناس ليس بسبب التقدم بالعمر فحسب، بل بسبب النظام الغذائي والحياتي القائمين على الجلوس والتخمة وعدم الحركة.
الصيام يعني أنك تدخل عن وعي إلى المصنع أو إلى المستشفى لتتلقى هناك كل عمليات الإصلاح المادية. وإذا ما أعطيت الصيام حقه وعدّيت الجوع والعطش إلى ميدان الروح فإنك بذلك ستكسب قوة لا مثيل لها من أثارها قوة التركيز والتأمل والانضباط.