بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

1 تشرين الثاني 2019 12:05ص الغابة التي تلوّن ذكراك!

حجم الخط
مساحة حزنٍ شاسعة أرى إلى نفسي وقد سرَّحَتْ فيها عتبات العمر وهي تمر على خيطٍ من ذكريات رفيع. كأنّ الحياة تأبىَ أن تسيرَ بي إلا وقد أدارتْ ظهرها. كأنّ تعباً هائلاً استبدّ بروحي فأجلسَها القُرفُصاءَ على شاطئٍ للأبدية. كأنّ عينيَّ لوحةٌ قديمة بَهِتَتْ ألوانُها في الممر الطويل للدموع. يختبئ الحزنُ كالصغار في الأماكن الضيّقة. يصرخُ إليك بأعلىَ وجعه، يُجبرِك على الرضوخ له، جرحٌ على حدّ النداء ينزفُ بين يديك المرتعشتين، تمدُّهما كي تصل إليه، فلا تستطيع إلا وقد طُويَتْ أجنحةُ أيامك في جَيْب لحظةٍ لا تلمحُ من بعدها سوى جثّة الوقت. من أنا تقولُ على هديٍ من صمتٍ بارد يَلبسُك رجفةً رجفة؟ 

تأتي الفصول إلى قلبك وتنتظر جاثيةً على فجيعةٍ مدّت أوداجَها فيه ذات خريف. يحدّثك الشتاءُ عن ليالٍ صمّاءَ يضيئ الملحُ سماءَها الغريبة، يُكدّس رعودَه في دمك المحروق ويمشي كذئبٍ حول دخان أنفاسِك القليلة. ويجيء إليكَ صيفٌ قبلَ أوانه. أمواجٌ بكامل غرقِها تحملك على شجر الرحيل المرّ. الموت حديقةٌ نحن أزهارها يقول لك الربيع الأخير. إذن، سألقاك على ناصية ماءٍ مجهولة، أوزّع العطشَ على أنحائي وأسبحُ في التراب. 

هذا الحجر يعرفُ الكثير فأنصِتْ له ولا تتعجّل في قطف الكلام النابت حول سياجه العتيق. يكادُ لسانه الأخضر يورق بين شفتيك! 

دونكَ ترجِع الخطىَ التي ذرفتَها على الوداع الثقيل حافيةً إلى مثواها الأول. فهذي الطريق طريقك الموصودة ولو أزلتَ عن أصابعك المختونة بصمتَها العنيدة. 

بين قضبان العمر المتداعية كالمطر، يجلسُ ظلّك فارداً وحدَتَه على حبل الرؤى الشفيف، يهمسُ للبعيد فيك كي يفتح باب الحكاية على سطرها المتروك للآخرين. 

وترٌ من نحيب يرجع بك إلى حزنك الذهبي، إلى الغابة التي تلوّن بطعم الخشب ذكراك!   


أخبار ذات صلة