بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

20 كانون الأول 2019 12:31ص المستحيل الجلّاد!

حجم الخط
ثمّة من لا يرى سوى الضوء القابع في آخر النفق الطويل. يتعامل مع الظلام بغريزة المواجهة. وفي نهاية المطاف يقبلُ بأن يضيء شمعة عند منتصف الطريق. يُقال عادة بأن السياسة فن استيلاد المُمْكن من رحم المستحيل. 

المواجهة هي على العكس جعل المستحيل المُمْكن الوحيد. شيء من البسيكولوجيا يعضد المصالح في لعبة الصراع. فالمُمكن هو أيضاً مسألة ذوقية بالمعنى الواسع للكلمة. للتربية دورها الكبير كذلك. فالمواجهة تاريخ وذاكرة. وهي حلقة متصلة من ردود أفعال تتوسّل العنف في فرض إرادة لا تريد في الحقيقة سوى نفسها: أريدُ ما أريده، وفي سبيل ذلك، على الواقع أن يخضع كاملاً لإرادتي. ثمّة مشكلة عظيمة تكمن في هذه «الياء» حين تصبح هي مركز القرار الأول. المواجهة تجعلني وحيداً في الصورة. 

وفي كل الحالات التي يمكن أن تنتج عنها، هناك بطولة ما تنتظرني. المواجهة هي ضربٌ من البطولة السيّالة. فهي لا تتحمّل التجميد عند أي درجة كانت. لا بد من تسييلها في لحظة ما وفي مكان ما. فائض القوّة مثل فائض المال يعني في المحصلة سيولةً أكثر. تربويّاً قد لا نكون في مقام قريب من المُمْكن. صحيح أنه لا يخلو، عند اجتراحه، من قوّة ما. لكنّها قوة بطعم آخر غير طعم البطولة. وقد يكون المُمْكن مشبوهاً، لأنه لا يستنسخ الماضي، ولا يكون وفيّاً له على الأقل. هو شيء يأتي من مكان بعيد. شيء لا يُشبهنا البتّة. شيء يضع معنا آخرين في الصورة. شيء يجرح «الياء» المستريحة فوق أكتاف الأبجدية. 

فائض الماضي يخنق المستقبل بيديّ الوهم. جريمةٌ صامتة تحولنا يومياً إلى أسرى داخل «استراحة الماضي». وخلف أسلاك شائكة وشمس حارقة، يظل المُمْكن شاهداً وحيداً على المستحيل الجلّاد، الذي يروح ويجيء حارساً لتلال الدم. المواجهة هي أيضاً ضربٌ من الجوع والعطش من أجل كأس فارغة للمُمْكن. فمتى نشرب حقاً؟ ومتى نأكل حقاً؟

أخبار ذات صلة