الشارع مليء بالمفارقات. والمفارقة أداة تعلّم. ففي كل مرة نقع فيها على مفارقة ما نكتسب شيئاً جديدا. من دون مفارقات الحياةُ رتيبة، مظلمة، وباردة. المفارقة تصنع الحياة. والشارع يضجّ بالحياة. المفارقة سواء كانت واحدة أو سلسلة كاملة تعثر عليها في كل مكان، وفي أي شأن، صغيراً كان أم كبيرا. تنظر إلى صورتك في المرآة صباحاً؛ يا للمفارقة إنّها تُشبهك ولا تُشبهك! تعترف لفتاة بأنّك تُحبّها؛ يا للمفارقة إنّك تريدها ولا تريدها! يستغرق العمل كلّ حياتك؛ يا للمفارقة إنّك تنجح ولا تنجح! تجمع مالاً كثيرا؛ يا للمفارقة إنّك تملك ولا تملك! يُعلّمك الشارع اصطياد المفارقات. ثمّة دولة ولا دولة. وثمّة نظام وفوضى. وثمّة أمان وخطر. الشارع يُغلقه مسلّحون عليك في ذكرى تحريرك من العبوديّة. الدرّاجات الناريّة في مدينتك تغزو روحك لتمطَّها أكثر بمقتضى المصلحة العامة، الشديدة العمومية إلى درجة الغليان ومن ثم التّبخّر. سيارات تتحرك وأخرى لا تتحرّك. يا للمفارقة إنّ الثانية أضعاف الأولى. أغنياء فقراء، وفقراء أغنياء. أغنياء وفقراء لا وسط بينهم. ثمّة قانون. لكن يا للمفارقة! واحد ملعون، وواحد مفصوم، وواحد مطعون، وواحد مأبون! ثمّة لصوص وشرفاء ليس بينهم فاصلة. ثمّة تلامذة ومعلّمون ليس بينهم حكمة. ثمّة حكّام ومحكومون ليس بينهم قارعة. ثمّة أزواج وزوجات ليس بينهم كلمة. ثمّة أقوال وأفعال ليس بينها عهْد. الناس يفرحون ببؤس. الطلاب يتعلّمون بجهل. الحكّام ينتخبون الشّعب. المصارف تُجفّف الودائع. الموظّفون بلا وظيفة. الأصدقاء لا يصدُقون.الأولاد ليسوا أولاداً، والأهل ليسوا أهلاً. السّهل ليس سهلاً، والجّبل ليس جبلاً، والبحر ليس بحراً، والبلد ليس بلداً. المستقبل ليس مستقبلاً، والأمل ليس أملاً، والتغيير ليس تغييراً، والمقاومة ليست مقاومة. ينبغي أن تخسر كي تربح. الفوز الدائم على الأرض رعب دائم.