بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

21 تموز 2023 12:05ص الهجرة

حجم الخط
جاءت الذكرى. الهجرة النبويّة الشريفة. نقطة التحوّل الكبرى في تاريخ الإسلام. معها صار للجماعة المؤمنة ما قبل وما بعد. باختصار أصبح لها تأريخ. التقويم الهجريّ. العام ١٤٤٥ أطلّ برأسه منذ قمرين وليلتين. تلك حقائق يعرفها الجميع. وهي مناسبة للعيد. نحتفل بمرور الذكرى حتى لو كنّا في زمن آخر. نترك الأشياء في محلّها ونمضي مثقلين بالهواء. لكنّ الهجرة هي الهجرة. واحدة من أكثر الكلمات تداولًا اليوم. مبدأ السّريان البشري فوق وجه البسيطة. القوّة القادرة على تغيير الحدود وعلى إعادة تشكيل المجتمعات. ثمّة طبعًا من يخاف الهجرة. وثمّة من ينتظرها. يعكس عالمنا الحالي بوضوح هذه الديناميّة التي تطرحها الهجرة وما يستتبعها من مآلات ومصائر. هذا على مستوى الإنسانيّة جمعاء. لكن للهجرة بُعْدًا آخر يتعلّق بالإنسان الفرد. هل تدخل الهجرة في عمليّة تكوين شخصيّتنا؟ وبأي معنى تحديدًا؟ تتعدّد الإجابات. بيد أنّ المحكّ الرئيس يظلّ رهن تجاربنا الخاصّة. فلكلّ هجرته. متى؟ إلى أين؟ ولأيّ سبب؟ عندما تُغلق أبواب الرزق في وجهنا فلماذا نصرّ على البقاء فوق العتبة؟ عندما يقع ظلمٌ كبير علينا فلماذا نبني جدرانًا سوداء حول أنفسنا؟ وعندما تضيق الحياة فلماذا نشدّ من أزرها فوق رقابنا؟ الهجرة ضروريّة من أجل إعادة اختراع ذواتنا، ومن أجل إعادة صبّ الحياة في عروقنا المتجمّدة. والهجرة ضروريّة لأنّ الفكرة عندما يحملها الإنسان لا تحدّها أرضٌ ولا يستولي عليها زمان. في غرفتي المطلّة على حديقة غنّاء أثناء زيارة مؤقّتة لجنوب فرنسا، تأمّلت السماء. كانت منيرة صافية يلمع ليلها البارد في عيوني. سألتني نفسي: أهي السماء نفسها التي تركتها في بيروت تُشاهدها الآن على بعد ألاف الأميال؟ قلت لنفسي: ما دامت السماء فوق رأسي واحدة، فلتذهب أنّى شاءت قدماي!
أخبار ذات صلة