بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

10 تشرين الثاني 2023 12:00ص اليقين لا الفجيعة

حجم الخط
ليست الفجيعة من ديننا بل اليقين. لكن لليقين أنياباً تنغرز في الروح. ولليقين شدّتُه وأهله وخاصّته أيضاً. الوقوف على اليقين يشبه الوقوف أمام جدار صلب وانتظار أن ينفتح فيه باب للخروج. اليقين امتحان قاس للروح وليس استئذاناً من شيء لأجل شيء آخر. متى يحين موعد هذا الامتحان؟ لا أحد يمكنه توقّع ذلك قبل حدوثه. وقد يحدث ولا نعلم أنه قد حدث. فليس اليقين مسألة نظريّة نلوذ بها في الجدالات والمناقشات أو نقطة زائدة نُسجّلها على المتحاورين معنا. بل تجربة حياة، وتجربة عمل، وتجربة صمود. وبخلاف ما قد يراه الناس، اليقينُ بلاءٌ ثقيل وأمانة عظيمة قد تدفع حياتك ثمناً لها. وبخلاف ما قد يشعر به الناس أيضاً، نجاحُك في الامتحان أو انتصارك في التجربة قد لا يكون للوهلة الأولى بادياً للعيان. إذ إنّ اختبار اليقين يحتاج إلى يقين من مثله أو أكبر منه. فليس صحيحاً أننا نُحسن قراءة التجارب في التاريخ. فهذا الأخير ليس سرداً للأحداث والوقائع والنوايا الجماعية والفردية فحسب، بل هو قبل كل شيء حبل اليقين الذي نتمسّك به على امتداد مسارنا. فاليقين لا يولد في لحظة ما إلا إذا كانت له حياة أخرى قد اتّصل بها من قبل أن يكون. إنها مسألة أصول وانتساب وسلسلة طويلة من الحيوات. فاحذر أن تخلط بين حياة اليقين وحياة كل ما عداه فيك، حيث كل شيء ميّت هنا. فأنت في يقينك لست نقطة وحيدة تدفع نقطة غيرها في فضاء شاسع بل نقطة على خط مستقيم يمتد بلا توقف مدفوعاً بكل هذه الطاقة الهائلة. وأنت في يقينك لست نقطة عبثية في محل اتفاقيّ بل نقطة في مسار يرسم مصائر لا هروب منها. ماذا لو كان الموت؟ فأنت ميّتٌ بالقوّة وبالفعل. لكن الموت ليس واحداً. أن تموت عن يقين شيء آخر عن الموت العادي. أن يكون اليقين محراب موتك شيء آخر عن موت تحت ظلال الأماني. على الآخرين أن يقرأوا اليقين في العيون المنطفئة والجلود المحترقة والعظام المهشّمة، وأن يختاروا العنواين المناسبة له كي لا يفوتهم العرس الكبير.
أخبار ذات صلة