بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

3 تشرين الثاني 2023 12:00ص جرّبوا مصالحكم!

حجم الخط
لا أريد أن أتحدّث عن غزة اليوم. فكتابُ الشّهداء والدّم لم يبقَ فيه سطر واحد لأشخاص مثلي: يكتبون ويحلّلون ويجادلون وربّما ينظّرون أيضاً من خلف خطوط الحبر الباردة. لعل الخجل حارسي عن الكلام في شؤون النّار أو هو الضمير الذي لم يعد قادرا على احتمال أكذوبة بهذا القدر من السماجة تُسمّى: الغرب المتقدّم! لا أقول أن غزة لا تحتاج إلى أصوات تعلو فوق جثث الصمت المنتشرة، وحطام الإرادات المنكسرة، ودخان النفوس المنهزمة. فكلمة الحق مدافع أقوى من مدافع البارود، وتأييد الحق ولو بنصف كلمة أو أقل لهو جهاد عند سلطان ظالم أو قائد متخاذل. يكفي أن تقول آخٍ مع الموجوعين والمضطهدين، وأن تقول لا مع المجاهدين والمقاومين، وأن تقول أفٍ بوجه الحاكمين المفرّطين أو المستسلمين. في سحيق القلب أضع إذاً كلامي الأعمق والأكثر خفوتاً بشأن غزة وأطفالها. أتبرّأ من تزكية النفس أو المماراة أو التظاهر بما ليس بمكنتي وأتواضع خلف قلمٍ غير مطواع في اللحاق بأنبل قضيّة على وجه البسيطة. وفي تتمّة الحديث أربأ عن التوصيفات التي تُرمى على عواهنها في هذا الشأن من قبيل الأبيض والأسود وما شاكلهما. فوراء كل ذلك ثمّة احتمالات أخرى لا أرى سبيلاً إلى اختزالها أو إسقاطها. وأفهمُ من تأخير الأنفس عن الأموال في الدعوة إلى الإيمان بالله ثم الجهاد في سبيله مقالاً حاسماً في هذا الحساب الربّاني. فإلى أي شيء يُشير المال إن لم يكن للقلّة من الناس على حساب الكثرة وإلى الحكام المتسلطين على حساب المحكومين المستضعفين. وعلامَ يدل المال غير على المصالح التجارية والمكاسب الماديّة التي تحرص عليها زمرة من الناس كحرصها على أرواحها أو أولادها. يشهدُ التاريخ على ذلك وتصادق وقائعُه على تقدّم المصالح في كثير من الأوقات على كل ما عداها. فهل يمكن للمرء أن يرى غير نفسه في مرايا السلطة والجّاه والمال؟ وهل يقبل المرء أن ينظر في مرآة جاره إلا على سبيل الاحتياط؟ مرآة فلسطين من ذا الذي يقبل أن ينظر فيها ثم يحكم على نفسه إن كان مارداً أم قزماً؟ وإن كان بطلاً أم جباناً؟ وإن كان ما كان أم ما سيكون؟ في سبيل المصالح تُباع الأوطان. نعم! وتُنتهك الحمى. نعم! وتُغسل الكرامات بمياهٍ آسنة وتُنشر على حبال المصالح الرخيصة. ما زالت الخيانة بعيدةً وربما بعيدةً جداً أيضاً. ربما هي الضوء الأضعف في حلكة الليل الطويل مع أنّها الأكثر تواطؤاً على ألسنة الناس لأنّها الأسهل على الفحص السريع. جرّبوا مصالحكم وسترون كيف ستغرز أنيابها في عظامكم. تغافلوا عنها يوماً واشهدوا كيف سيحرق لهيبُها جلودكم. إلا من رحم ربّي ينجو من هذا المصير نجاةً جزئية. فأن تشير البوصلة إلى جهةٍ ما لا يعني أنها أخفت الجهات الأخرى أو أنها غير قادرة على التوجّه نحوها. هكذا هي المصالح تماماً. قد يكون إقبالك عليها من قبيل الخيانة وقد يكون من قبيل البطولة أيضاً. ولا ننسى الغباء كذلك.. أيّها الغباء ما أرذلك! لنبحث عن طبخة الخيانة، عن فلفلها وبهارها وفومها وعن أصغر مكوّناتها. جرّبوا مصالحكم في النّار وفي الحريق. هل عساها تُطفئ أم تُسعّر؟ هل عساها تُبلسم أم تجرح بعمق؟ هل عساها تُنصف حقاً أم تهدره؟ تُكمل حياةً أم تنقصها؟ 
أخبار ذات صلة