بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

23 نيسان 2021 12:00ص حضرة المُهرِّب!

حجم الخط
نطقت المذيعة أدباً في غير محلّه. سألت من اعتاد ألا يُسأل أبداً. «حضرتك كمُهرّب» قالت؛ وتركت حبل إجابة الرجل المُحتجب بضوء الكاميرا على جرّار لهفتها لـ«سكوب» صحافي من نوع التهريب النفسي هذه المرّة. نحن على خطّ الصدْع العظيم في جسم الدولة.

 كثيرون أيضاً غير الإعلاميين يقفون على خط الفساد الأوضح في لعبة الظلال الملتهبة. بيد أن خطوط النار تتوازى باستمرار ولا تلتقي عند نقطة حقّ مهما دقّت معالمها. في حضرة المهرّب ترقص الحقيقة على قرع طبول لا يسمعها أحد. فأنغام الحواة بيننا تصمّ الآذان والأفاعي الخارجة من كهوف الدهشة تُسمّم أيّامنا المقبلة. 

يُفصح المُهرّب بأبجدية فينيقية ضاربٌ حرفها فينا. تتوارى عيناه خلف نظرات يعلكها الحذر المعتاد. بيد أن البنادق تُدخّن رصاصها وتنفث في الهواء المخضّب بالسكوت غطيطه الثقيل. ليست الحدود سوى أضحية نأكل لحمها ونُفرّق دمها بين القبائل يقول للمذيعة المتمترسة وراء «المباشر». فلكل قبيلة حدودها. 

الحدود جلود نلبسها ونخلعها في أوقات الصيف وفي أوقات الشتاء. وحده الوطن يقف عارياً من كل شيء بعدما سُلخ عنه جلده. مرنةٌ هي حدود الوطن بأكثر مما نتخيّل. كتب التاريخ والجغرافيا يقرأها الصغار في المدارس. هي امتحان للترفيع في الصفوف المنضبطة. لكن امتحان الحياة أكثر ضراوة. 

لا شيء فيه يُشبه الإقامة بين الورق أو على تخوم الحبر. ثمّة نزيف دائم هناك بلون الغروب. الهروب إلى الوراء أو الهروب إلى الأمام هو الجغرافيا الحقّة. كل ما خلا ذلك يدخل تحت ظلال السيوف. أما التاريخ فصرخة في واد غير ذي زرع. يعرف المهرّبون جيدا أن الحدود هدنة، وإقامة في العابر أبداً، حين يُصبح الوطن ثمرةً محرّمة على الجميع. 

ما الحدث تسألنا المذيعة نحن المتربّصين بالحقيقة من وراء الشاشات؟ يجيب عنا المهرّب العارف بدروسنا أكثر مما تعرف قاعاتنا المُبرّدة: الحدث هو أن تستبق الحدث. يسبقنا المهرّب خطوة أو خطوتين إلى حتفنا الأكيد! 


أخبار ذات صلة