بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

8 نيسان 2022 12:00ص سفر في الصيام!

حجم الخط
أتأمّل في الصيام، في تلك المعاني الجليلة التي تصعب الإحاطة بها كلها. فالصيام تعلّم مستمر. تربية للنفس وسبر لأغوارها. وأراني في رحاب هذا الشهر الكريم، شهر رمضان المبارك، أسافر في أفكار كثيرة عن قيمة هذه الفريضة الربّانية وعن أثرها العظيم في حياة الفرد والجماعة حتى يُخيّل إليّ أننا لم نعرف، نحن مسلمي اليوم، الصومَ  بعد! وفي أوقات الشدّة والألم، وعند توالي المحن وتكاثر البلاء، يرجع الإنسان إلى مصادر قوّته مُستعيناً بها على الصمود والبقاء. وأيّ قوة للإنسان يلتجئ إليها غير خالقه؟ وأي نظرة يُلقيها إلى غير السماء التي تعلو رأسه بالرحمة والأمل، وتجلّل قلبه بالتوحيد والعبودية؟ والصيام حبلٌ سماوي مشدود بقلب صائم حقيقيّ كالصخر. فهل نحن نصوم حقاً؟ سؤال يطوّفني  بعيداًً. وفي غمرة الطواف أنتبه إلى أنّ الصائم هو الذي لا يُقهر بإذن الله، ولا يجوع بإذن الله، ولا يعرف لليأس في حياته وفي وجدانه مكانا. قلت في نفسي: لو أننا نصوم بحقّ لما تحكّم بنا جشع التجّار، ولما قصم ظهورنا فحش الأسعار؟ ولما تسلّل إلى نفوسنا ترف العيش ولا رغده الزائل. ولو أننا نصوم لما علا علينا الحكام أو استبدّ بنا الظلّام. وما كان عدوٌ يقدر على هزّ كرامتنا أو على تضييع حقوقنا. فمّن سيخاف صائم جاهد نفسه على شهواتها، وروّضها على طلب التزهّد والكفاية في كل شيء؟ صائم لا يهاب الموت إذا منه دنا، ولا يتعلّق بأذيال الحياة إذا عنه أدبرت. أليست أقوى أساليب المواجهة في عالم اليوم مع المحتلّين للأرض والمحتكرين للغذاء والمستغلّين لقوت الناس هي المقاطعة؟ الامتناع عن استهلاك بضائعهم ومنتوجاتهم والعودة إلى الذات من أجل الاتكّال عليها بعد الاتّكال على الله؟ هل غير الصائم بصبره وطول تحمّله وحُسن خلقه في الملمّات، وثبات قلبه وعقله في النوازل، يستطيع أن يقلب المعادلات، وأن يحقق ما يصبو إليه الإنسان في الأرض: العدل؟! حينما تجرؤ على خسارة كل شيء مقابل أن تربح دينك ونفسك.     

أخبار ذات صلة