بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

20 تشرين الثاني 2023 12:35ص شتاء الدم

حجم الخط
مثل الشتاء لي أحزانٌ تنهمرُ ودماءٌ تصعد. البحر يشرب حيواتنا الصغيرة ويتبخّر. لكنّي هذا الصّباح الماطر لم أعدْ أعرفُ لون عينيك. منذ حزنين وأكثر كان الشّجر رفيق نهرنا الطويل  إلى منتصف البياض. ومُذ أن اختبأتْ الطّائراتُ في ليل شعرك المجنون، صرتُ لا أُميّز بين الاقحوان وشقائق النعمان. كان العمر يتدلّى من نافذتي عندما سمعتُ صراخكِ البعيد كأجراس الميلاد. الموت برهانُ الحياة. والنّجوم عيونٌ للسّماء شاهقة، فلا تكترثي بالضّباب الأصفر بين قدميك. قالوا إنّ غابات الشّوك تُطاردك حتّى النسيان، ونسوا أنّك ذاكرتنا الوحيدة، ومرآتنا الأكيدة. فلتنتحرْ كلّ الصور الباقية في عزلة الكاميرات وعبث المؤتمرات. هذا العرسُ يليق بك. فإلى مَنْ نُهدي موتنا المؤجّل؟ أيّ شتاء يليق بأرضنا غيرُ شتائك العنيد؟ شتاء الدّم تحت المظلّة الخضراء. مَنْ غيرُك يملأ السّماء بالأطفال والرّضّع؟ مَنْ يرسمُ لسطوح حياتنا الباردة أقمارها الدافئة ويُشعل حطب النّجاة في خيامنا المريرة؟ أحبُّك عروساً أبديّة للغياب. مواعيد للطيور الجريحة، ومواعيد للحجر النّازف، ومواعيد للّحم الأبيّ، تملأ رئة الزّمان الأخرس، والمكانُ يفردُ أجنحته الحمراء فوق منازل الحكايات الصّامدة. لا تُنادي عرباً ولا عجماً يا حبيبتي الصغيرة، فلا الصحراء رجعت إلى سمائها ولا الآلات أصلحت الضمائر. كوني وحيدةً في سريرك ومزّقي ستائر رجولتنا. جسدُك من نار ودخان، فتعرّي ما استطعت إلى فضيحتنا سبيلا. قاومي المغتصبين بالحجارة والفخّار وبكل أسماء الأبطال ولا تبكي في  جرحك جرح القبيلة. وعندما تُقتلين بقذيفة شقراء أو خنجر أسمر، نامي في قبرك وحيدة مثل عذراء جميلة، وقولي لملك الموت ما بدَر منّا، واطلبي منه أن ينسانا طويلا. قولي له: لي الموت وحدي شهادة؛ ولهم الحياة كلها خيانة!
أخبار ذات صلة