بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

3 آذار 2023 12:00ص صوفٌ لحدائقِ النسيان

حجم الخط
الموسيقىَ هذه الليلةَ حزينةٌ مثلَ ليلتي أمس، وما قبْلَها، وما قبْلَ قبْلِها. خُصلُ سوادٍ تهبِطُ على نافذةٍ، أجلِسُ قُبالتَها وحْدي، وقلبي يعْلكُ الوقتَ كساعةِ حائطٍ في بيتٍ مهجور. قواريرُ ذكرياتٍ تفوحُ في مخيِّلتي. وجوهٌ في مشافي الظلال تُلقي سلاماً دافئاً عليَّ وتدخلُ في صدىَ المكان. رصيفٌ من صورٍ نافرة، يقطعُ رأسي نهريْن من أرقٍ وخيْبَة. وعودٌ تتدلىَّ من السّقف كأجراسِ الموتِ في كنيسة نائية. يدايا تحبَلان بغابةٍ بلا طريق. عيوني مهْبِطُ الحمَام الجريح من الدوران حول المشْنقَة. وأصابعي غارقةٌ في دمِ الكلمات القتيلة. حبرٌ على العتَبةِ، ينتظرُ فكرةً تأخّرتْ عن جسمها الملائكيّ. عتمةٌ تمسحُ الغبارَ الذلِق عن عظامي المملَّحةِ بالانتظار. والبحرُ يزرعُ بأمواجِه المرتابةِ حقولَ روحي البنفسجيّة. وأرى صغيراً، كأنّي هو، يكبُر كحدَقةٍ فوق خيطِ أغنيةٍ ناحلٍ، ويملأ الفضاءَ بطبولِ الحنين. لكنّ العابرينَ في ذاكرةِ السّراب، يصعدون سلالمَ البخار كفرحِ الماء المؤقّتِ بالعلوّ. ريشتي صخرةٌ جاثمةٌ على صدْر الوقت الخفيف فوق طاولتي، والغيمُ الرماديُّ فوق رأسي يمرُّ مثلَ زنازينَ حاسرة. وأجدُني لا أغادرُ مراكبَ هواجسي المشتعلة بصفحات مقطوعةٍ كالوتَر، فتلتهمُني نارٌ بيضاءُ على موسيقا حروفِ الكمَنجة. وأغوصُ مثل يمامةٍ شريدة في هواء الضّجر الكثيف، فتلتصقُ الجهاتُ بخاصرتي كخنجرٍ فسيحِ الطعنات، يشقُّ لغتي إلى أصقاعٍ متنافرة، تشتِّتُ رخامَ الرؤى في حنجرتي. ويغزلني الصّمتُ صوفاً لحدائقِ النسيان، ودرباً لشّجرٍ نازحٍ من حروب المرايا. والسماءُ على بابي الخشبيّ، توقظُ الأقفال النائمةِ في الصدأ. وإبرةُ العمْرِ تخيطُ من ثُقْبِ قلبي، رجاءً أعرج، لا يصدُّ عن عنُقِ شارعي الأعمى، سيوفَ الحزن الذهبيّة، تلمعُ في أقاصي غيابي البارد.
أخبار ذات صلة