بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

17 كانون الأول 2021 12:00ص غداً أتعلّم!

حجم الخط
ماذا يعني أن أصف الأشياء من جهتي أو لا أصفها؟ ذلك لن يُغيّر في حال الموصوف ولن يُعدّل في سيرة الواصف. ها هو النهر يجري من تحتي. فلأدعْه وشأنه إذاً. وها هي الأشجار تقف قبالتي كما وقفتْ أوّل مرة. وها هي الرياح تنتشر في كل مكان. والمطر يفعل ما كان يفعله على الدّوام. لماذا أضيفُ على المشهد أمرًا ليس فيه؛ شيئًا هو منّي بالكامل، وإن كان يتوق إلى التفلّت من كياني. لماذا أرمي ملحًا في البحر؟ أو أنفخ في الريح؟ أو أبصق فوق حبيبات المطر؟ لماذا أفكّر في المجاز بينما كل شيء من حولي حقيقي؟ لماذا لا أستقبل هذه الحقيقة في نفسها وفي كلّيتها من غير تدخّل مني؟ صوت النهر في أذنيَّ ليس مجازًا. الأوراق الصفراء التي تملأ جانبيّ الطريق الذي فيه أمشي ليست صورةً كئيبةً عن شيء غيرها. الخريف يحدثُ في الخارج بعيدًا عني. وأنا أحدث في نفسي بعيدًا عنه.  كلانا غريبٌ عن الآخر. كلانا لا يفهم الآخر. ربما أكون حزينًا الآن. هو لا يحزن. ربما أُحسّ بخيبة من نهر لا يحملني إلى نفسي. هو  ليس إلّا هو. دائمًا هنا. حتى إنّه لا يذهب ولا يجيء مثلي. كل ما أعرفه عنه يخصّني أنا وحدي. هو لا تعنيه المعرفة؛ لأنّه حقيقيٌ بالكامل. ليس عنده ما يُخفيه أبدًا. أنا من لا يستطيع أن يكون حقيقيًّا تمامًا. كلّما ظهر لي وجهٌ، توارى عنّي آخر. كأنّي مجاز خلف مجاز أو صورة وراء صورة لا أصل يُشبهها. بقربي عصفور فرح يقفز بخفّة بين الأشياء. يتمرجح بظلّي ولا يخشى البحث عن قشّة تحت يدي لا أعلم عنها شيئًا. هل لأنّ غده قصير أم لأنّ يومه مليء بالمصادفات؟ وحدنا نحن البشر لا نرى المصادفات إلا نادرًا. فرأسنا أكثر الأشياء ثباتًا في الكون. غدًا أتعلّم كيف أنسحب من المشهد من غير أن أعكّر صفو كل ما هو حولي. سأفكّر طويلًا كيف أغلق الغابة على نفسي من دون أن أحمل فأسًا أو أقطع بفكرة تزعجني ضخامتها. ومثل النهر سوف أمضي بلا وعودٍ لأحد. 











أخبار ذات صلة