بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

16 نيسان 2021 12:00ص فقط الحجارة بريئة!

حجم الخط
الحربُ هي الحرب. جملةٌ صحيحة. والأصحُّ منها اليوم أن نقول: ليست الحربُ هي الحرب. كانت الحربُ ناراً ودخاناً. كانت حجارةً تصعدُ من خفّة الحياة على الأرض، وحجارةً أخرى تهبطُ من ثقل الموت في السماء. أذكر ذلك في طفولتي جيداً. لكنْ كبِرتُ وظلّت الحربُ يافعةً. 

فالحرب لا تشيخ أبداً، ولا تنمو لحيتُها. بيد أنّها لا تنزل نهر الدم مرّتين. لكل زمانٍ حربُه التي تليق به. فليس لطَحْن العظام موسيقى واحدة! وليس لشواء اللحم الرائحة نفسها! حروبنا اليوم من نوع آخر. الدم المجرور من الماضي وحده يُكمل طريقه الحمراء. 

لماذا لا يزال «قصر الحمراء» عنوان خيبتنا؟ كرامتنا المُجمّدة قابعةٌ في غير مكان: الأقرب منّا هو الأبعد عنّا. وها نحن ندرأ الحرب بخيْط سلام رفيع، وهي تضحك علينا بملء شدْقيها. هل لم نعدْ قادرين على التعرّف عليها؟ تمرّ بجانبنا كل يوم فنلقي عليها السلام! أسهواً ذلك أم عمْداً؟ من ليلى؟ ومن الذئب؟ حكايتُنا الجميلة صارت أحجيةً سمِجةً. والطفل الصغير لا ينام فوق غيمة يدينا، ما دامت النهايةُ السعيدة لم تأته بوسادة الأحلام بعد. وسوف لن تأتي يقول الراوي. 

أكل الذئب الراوي. ومن حينها تغيَّر كل شيء. للحرب جلودٌ نلبسها ودروعٌ نخلعها. هكذا قال لنا الأبله ومشى في أفكاره الغريبة. عواءٌ عند رأس كل مسلكٍ وذيله. أين المفرّ؟ تسوس الحربُ ظلالنا المتوهّجة تحت خيمة الماضي. والخِيَمُ متاريسٌ للعتمة السحيقة في نفوسنا. لا تجرؤ الحرب على مخامرة الضوء. فافتحوا في وجهها كلّ النوافذ يقول العاقل الحذر أو اهدموا على مسامعها جدران أبجديّتكم العالية يقول المجنون المتوثّب. لا يسأل المحاربُ المتمرِّس ما الحرب؟ الحرب بالنسبة إليه هي الحرب وكفى. 

الانتصار أو الهزيمة كلاهما من أسمائها الحسنى! فلا ينتصرن أحدٌ سوى الحرب نفسها. ولا ينهزمنّ أحدٌ إلا الجميع سلاحاً بسلاح. لكنْ حربٌ لا تحارب هي الأقل انهزاماً. وحربٌ لا تنتصر هي الأكثر فتكاً. في الختام: فقط الحجارة بريئة!    


أخبار ذات صلة