بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

31 تموز 2023 12:00ص في ظلّ الكتابة

حجم الخط
أصبحت مُرتاباً من الكتابة ومن الّذين يكتبون (من نفسي؟!). كما أرتاب من الّذين يقولون. فالعالمُ ليس ورقةً بيضاء. والأفعال فيه لا تُقاس بطول الأسطر أو بكثافة العبارات فوقها. ومع ذلك أكتب لأقول ما أقول. فأينَ المفرّ؟ هل من كتابة تكون ضدّ الكتابة؟ أم تلك أكذوبةٌ اختلقناها لنستمرّ في الكتابة أو أحبولةٌ تنصبها لنا الكتابة نفسها لتحبسنا إلى ظلّها، كما تفعل الكاميرا مع الضوء؛ فنكون مجرّد صورة عنها؟ شيئان لا يلتقيان والكتابة: المحْوُ من باب أولى، وكلُّ ما ليس كتابة بالتّبَع. فأين مشكلتي مع الذي أنا مُقبل عليه؟ إنّها هنا بالضبط. إذ أنّ معظم مشاكلنا تكون مع ما نحن فيه أو عليه فعلاً. هل نحن الذين نشكّل الكلمات حقا أم هي التي تشكّل أصابعنا وتمنحها حركتها؟ هل من كلمات هي حجر العالم أو قمحه؟ وهل تبقى الكلمة هي الكلمة عندما تنطق بها الألسن أو تلوكها في غير مناسبة؟ كأن الكلمات عمارة العالم. أنكتب لنُصلح خللا هنا أو نُعيد النوايا إلى حظائرها؟! كأني بالكاتب أأطفائيُّ العالم أم الجلاد الذي يُلهب بسوط حبره ظهر التاريخ؟ ثمّة كتاب مجهولون قد أضرموا النار في النفوس والعقول. آثار حرائقهم قد سوّدت مخيّلاتنا وأذابت فيها كل حقد ممكن. من يمسك بأيدينا عندما نمدّها إلى حقول البياض؟ من يخون ألسنتنا عندما نرفع أشرعتها في بحور الكتب المفترسة؟ من ألّف لنا كل هذه الصفحات كي نضرب عن الحقيقة صفحا طويلا؟ من طوّع الفولاذ في سطور مُدبّبة مثل أسنان الجبال المهيبة؟ أكتب لأصبح أكثر بعدا عن نفسي. وأتكلّم لأقول أنا من خلف زجاج المعاني الملوّن. من وضع كل هذا العبث في مآقينا وتحت جلودنا؟ أكتب لأغلّف نفسي وأغلق عليها دفّتين من رياء وكبرياء. لكن هل لي أن أحطّم القلم، قلمي الذي يصفرّ صريره كلّما أصابه التاريخ بكوليرا الصور؟ من يدري؟ لعلّي أفعل يوما بصمت تام.
أخبار ذات صلة