بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

27 تشرين الأول 2023 12:00ص كلب برتبة سفير

حجم الخط
كانوا عشرين رجلا حين هاجمهم كلب شرس ووقع أحدهم بين أنيابه الحادة. بدأوا يرفعون أصواتهم بوجه الكلب بحذر لعله يفلت صاحبهم فينقذونه من الافتراس. فالصوت العالي ربما يستفز الكلب أكثر ويزيده شراسة. عشرون رجلا أقوى من كلب مهما بلغت شراسته بحال انقضوا عليه جميعا. لكن قوة الكلب في أنفه أكثر منها في أنيابه. فهو قادر على شمّ رائحة الخوف. أخيرا قرروا الإمساك بصاحبهم من طرف وشده نحوهم من أجل تخليصه من فم الكلب. ازداد الكلب عنادا وإصرارا. ففي الحالتين سيتعرض الرجل الضحية إلى التمزيق. إن ظفر الكلب منه بحصة الأسد فهو ملك متوج. وإن أنقذ أصحابه ما يمكن إنقاذه من جسده المقطّع فهم خاسرون. لم يجرؤ أحد منهم على ضرب الكلب لإجباره على التراجع والانسحاب. ظل رأس الكلب المتوحش يفزعهم ومنظر فمه المطبق على لحم الرجل وعظامه يجمّد قلوبهم بينما يرسم لهم ذيله المتوثب حدود حركتهم الضئيلة. تذرّع أحدهم بأن لعاب الكلب نجس بينما رأى آخر أن وبره غير طاهر أيضا. الشدّ بالضحية أقل كلفة من محاولة إبعاد المفترس. علا الصراخ قليلا. لكنّ الكلب يشم ولا يسمع. القلوب حلقة مفتوحة تمنع التواصل والصمود. تحوّل كل واحد منهم إلى طرف في لعبة هروب محتملة. فكثرة الاحتمالات تغلب الشجاعة. يطوّر الكلب هجومه أكثر. بات واثقاً من قدرته على ردع الآخرين. يرسم بين فكّيه خريطة المستقبل للخائفين. والخائف لا يمكنه شراء الأمان يوماً حتى لو توهّم ذلك. وباقي القصة معروف منذ فجر التاريخ. العيون التي ترتجف وهي تشاهد ذبح الضحية سوف تحترق عاجلا أم آجلا بالألم نفسه، فلا ترى حينها ماذا يُفعل بها لا من قريب ولا من بعيد. أنهى الكلب مهمّته بنجاح. غدا سيختار ضحية جديدة ليقدم أوراق اعتماده إلى الذئب. كانوا تسعة عشر رجلا عندما نبح عليهم كلب برتبة سفير.
أخبار ذات صلة