بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

11 كانون الأول 2023 12:13ص ...لأنّ غزّة تُقاوم على خير

حجم الخط
أنا بخير لأنّ السقف لم يحمله رأسي، والطائرات لم تشتبك مع أفكاري، والدم لا يزال يستبطن كلّ ما في داخلي. إن وقعت، أنهض ثانية، وإن خفت، أطمئن بعد وقت قصير، وإن خسرت أشياء اليوم، أفوز بأخرى غداً. أنا بخير لأنّ أحداً لا يسحقني في ليلي غير أحلامي الثقيلة، ولا يشرّدني في نهاري غير غيوم رؤاي العنيدة، ولا يُعيد تكويني من ماء وتراب غير آلة الصمت الهادرة في روحي. السماء جرس عملاق، لم تصبح دخاناً بعد؛ فأنا بخير. والأرض تتنفس بحشمة، لم تتثاءب بعد؛ فأنا بخير، والبحر بساط للريح، لم تمزق القنابل أمواجه بعد؛ فأنا بخير. ما زال لدي عناوين للفرح الضئيل، وأحزان مثل الصّحو بعد دموع عالية، ولدي بطاقات لمواعيد الحب المؤجّل. فأنا بخير لأنّ الأشياء لا تستعجلني، ولأنّ ظلالي لا تُخطئ رسم الشجر. أجوع، أعطش، أنام، أستيقظ، أجتهد، أتقاعس، أتحمّس، أتململ، أتقمّص، أتصدّر، وأنزوي. أنا بخير خلف نافذتي على اللاشيء، ووراء أبواب ذاكرتي البيضاء، وفي غرف الصّدى المهجورة. أنا بخير لا أملك أن أُحصيَه، كأنّ السماء لي جناحان، وكأنْ استئذاناً يطرقُ الموتُ بابيَ على سطر أخضر. بخير أنا لأنّ الأرض تدور تحت أقدامي، والسماء تمحو من خطاي ما تعثّر، والبرد يُعلِّم جسمي فنون الأغطية. ولأنّ الموسيقا لا تنزف في المجاري الصحية، والشِّعر لا يُعلَّق فوق ضفائر الكتيبة. كم أنا بخير في متاهات أيامي، وغابات الأصوات في أذنيّ، وفي أعراس السّراب من حولي. لا زلت أضحك كوجهٍ مرسوم على ورقة، وأبكي ملء ظنوني ثم أكسر بالحجر المرايا، وحين تجرحني وردة أعلّق دمي الخائن على مشنقة. أحيا لأنّ الموت أقرب إليّ من فكرة، وأموت لأنّ الحياة بعيدة عني حرفيْن. أركض وراء تعبي وأظلّ بخير؛ أمشي بجانب خيبتي وأظلّ بخير؛ أجلس إلى طاولتي وأملأ بالحبر كأس فراغي المترع، لكنّني بخير عند أول فاصلة وحتى آخر نقطة. النار تحت ركوتي الشقيّة تداعب ثقوب الهال في مجرّة البنّ السوداء، وأنا واقف على خاطر فنجانٍ من القهوة يزيدني خيراً. أتحرك من مقعدي على مهل، أُشعل الأخبار، أقرأ باستعجال عاجلاً هنا وآجلاً هناك، أتجمّد في المنتصف بين صورة وحشيّة وأختها، تسقط مني يدي البلهاء، وتتمزّق عيناي مثل أجساد الأطفال في عواصف البارود: أنا هنا بخير، لأنّ غزّة تُقاوم على خير كلّ ما ليس بخير!
أخبار ذات صلة