بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

24 شباط 2023 12:00ص لن أسامح!

حجم الخط
لا أريد أن أسامح أحدًا بعد اليوم.  سأنام على ضيْمٍ وأصحو على خيانة. ولن أسامح. سأنسى هذه الكلمة وأحبس جميع عباراتها إلى الأبد في خزنة من حديد. سأقول لنفسي: لا تسامحي. فمثلك لا يسامح أبدًا! لن أسامح. سأمتلئ بكل التوقّعات والخيبات والمرارات، وبكل الانجراحات والزلازل والبراكين، ولن أكون بحاجة إلى أن أسامح. سأتقبّل الطعنات إن جاءتني مع الهتاف من الخلف أو مع باقات الورد من الأمام. ولن أسامح. سأُبعدُ عني هذا الشّبح الثقيل وأفتح لكل الأشباح الأخرى اللطيفة أبوابي ونوافذي. سيمرُّ تحت عيوني المهزومون، وسيمرُّ فوق قبري المنتصرون، ولن أسامح. سأستقبل حبًّا كاذبًا وأودّع حبًّا صادقًا ولن أسامح. سأترك الأشياء تطفو كما يحلو لها في بحر أحزاني ولن أركب موجة تسامح واحدة. أريد أن أستوعب كل يوم أكثر أنّني عاجز عن أن أسامح. أنّ التسامح ليس مهنتي. فليقتلني الجميع وليقتسمون لحمي ميتًا أو طازجًا، فسوف لن أسامح. أإذا جرحني شوكٌ على الطريق أسامحُه؟ أإذا دوّخني ثعلبٌ وراء عيونه أسامحُه؟ أإذا أضناني ليلٌ وحيّرني نهارٌ أسامحهما؟ أإذا فاتني عمرٌ أسامحُه؟ أإذا رفعتني الحياة فوق رماح الأماني قتيلًا أسامحها؟ أيّها التسامح لن ألبس جلدك الناعم ولو براني الألم حجرًا لغيابٍ منسيّ. لن أستعير من وجهك ضوءًا يحرق فراشاتي في حدائق العزلة الباكية. لن أمنح صوتي لوديانك أو أشرب كأسًا فوق بئرك، ولن أخبئ شتائي الصغير في معطفك. لن تكسب مني رهانًا أيّها التسامح فأبعدْ عني زوّارك الفضوليين ولصوص المناسبات الوقحين. فلن أكون متحفًا لأغراضك ولا اسمًا مسجّىً فوق بياض سجلّك المفتوح. لن أسامح. من أنا لأسامح؟ هل تسمعني؟ من أنا لأسامح؟ فاخرج من رأسي واتركني لشأني. احمل عصاك معك وارحل. وأنتِ أيّتها النار المضطرمة أقبلي وخذي مني حصّتك من الرّماد البشريّ. 
أخبار ذات صلة