بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

1 أيار 2020 12:00ص مَرَضُ الحقيقة!

حجم الخط
إذا كان للكذب أن يبحث عن مكانٍ ليختبئ فيه؛ فلا يُعرف أبداً ولا يفضح أمره ولا يذاع سرّه، فإنّه لن يجد برأيي مكاناً آمناً أكثر من الحقيقة نفسها. لكأنّي في هذا أرى الكذب وقد «تعبَّط» بالحقيقة، فلا يغادرها أو يفارقها ولا هو يبتعد عنها قيد أنملة.

 وهل تفعل الفيروسات القاتلة مثل الكورونا المستجدة أو أخواتها وأولاد عمومتها غير ذلك، أي أن تتعبّطَ بأجسادنا وببعض الأعضاء الحيوية فيه عن طريق الخداع وأساليب المكر المتعددة، وتظلّ هناك متمسّكةً بالخلايا الطيّبة للعضو المُهاجَم تمسُّك الكذب بالحقيقة؛ حتى إذا ما أتتها الفرصة المناسبة، انقضّت على تلك الخلايا فتكاً وقضماً واستبدلت أخرى خبيثةً بها. 

وكما الأجساد العليلة تحتاج الحقيقة هي أيضاً إلى التعافي وإلى أن تستردَّ صحّتها ونضارة وجهها، بعد أن تكون قد نجحت فعلاً في طرد الأكاذيب التي علقت بها طوال مدّة مرضها. نعم تمرضُ الحقيقة! تمرض عندما يُصبح إمكان التعرُّف عليها ضئيلاً في الواقع وفي النفوس، وعندما تتكفّل الأكاذيب الشتّى بالحديث المُنمَّق عنها بعد إسكات صوتها ومنعها عن الكلام. 

وكلّما كانت تلك الأكاذيب أكثر قرباً من أهواء الناس وعصبيّاتهم وأكثر فائدة لمصالحهم الذاتية الضيّقة، اشتدّت وطأتها وتجرّأت أكثر على محاولة إخفاء وجه الحقيقة تماماً. وفي ظل انتشار الأكاذيب وتناقلها سريعاً على كل شفة ولسان، حتى يُصبحَ تكذيب الكذب نفسه ضرباً من الجنون أو العبث لا يجرؤ أحدٌ على الجهر به، تشعر الحقيقة وقتذاك بالغُربة في أرضها، وتتفطّن إلى أنّ هناك من لبس جلدَها ومشى به بين الناس، بعد أن ألقى أدعياءٌ كثرٌ شُبهَ الحقيقة عليه وباركوه! كأني بالحقيقة تمشي في الأسواق فلا يلتفت إليها أحد. 

تدقّ على البيوت فلا يُفتح لها. تذهب وراء الجماعات فيفرّون منها. تُخاطب العقول فتتعامى عنها. لا أحد يريد الحقيقة التي يُنادي باسمها طوال الوقت. كيف وأشباه الحقيقة يتحصّنون في كل مكان... ويتعبّطون بها؟!


أخبار ذات صلة