بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

22 تشرين الأول 2021 12:00ص مجزرة الأرقام!

حجم الخط
ثمة أرقامٌ تبعث على الراحة والسرور؛ وأرقامٌ تُثير الرعب والريبة في النفوس. يتفاوت الشعور بتفاوت النظرة إلى الرقم نفسه، وقد خرج من حياديّته ودخل في سياقات البشر ومصالحهم. فكل رقم يُضيء في عيون جماعة ما، يُقابله رقم آخر يُظلم في عيون جماعة أخرى. وبين هؤلاء وأولئك ثمّة أرقامٌ تسقط من كل حساب. تماماً مثلما يسقط وطنٌ بكامل مؤسساته عن صهوة الأرقام، مُضرَّجاً بعرَق أبنائه وقوْت مستقبلهم القليل. أرقامٌ لا يلتفت إليها أحد، بل تلقى التجاهل من كل ناظر؛ كأنّ العمى عنها بات مصيرها الذي يكوي نفوس أصحابها وضمائرهم. إنها لعبة الأرقام الخطرة! تُهدّد كل شيء، وتبتلع كل ما يقف في طريقها. أرقامٌ في كل مكان. بعضها أكبر من إمكانات الوطن الذاتية. وبعضها الآخر أكبر من قدرته على مواجهة نزيفه الحيّ. أكثر من مئتي ألف مُهاجر لبناني خلال فترة زمنية قصيرة جُلّهم من فئة الشباب. رقمٌ مهول لا يُزلزل عرش أحد، ولا ينتقص من سلطان أحد على الأرقام! خسائر بالجملة لمدخّرات الناس في المصارف، ولقيمة عملتهم الوطنية في خبزهم ومائهم ودوائهم، ولا من يرفع إصبعاً معهم أو يمدّ يداً فوق أيديهم؛ ولا من يُسرّب رقماً هنا عن نشوة مُستعادة من ماضٍ قذر، دفاعاً عنهم، أو يُهدّد بآخر هناك عن نصر «دائم» بات عبئاً، إحقاقاً لحقوقهم المهدورة. الأرقام في مكان آخر تماماً. هي الآن في حوْزة الحرب المُمكنة في كل لحظة، وتحت خوذتها التي تلمَع وسط صحراء العيش الوطني القاحل. أرقام تُمزّق بأنيابها كل سلْمٍ أهلي، وتدوس بحوافرها على كل صوتٍ متبقٍ للعقل. نحن حقاً أمام مجزرة الأرقام التي تطرح وتقسم بدل أن تجمع وتضاعف روابط الالتقاء. كلٌ له فيها حصة المغول من خراب بغداد. أرقامٌ قادرة على إسعاف صيّاديها وقت يشاؤون، بينما جسد الوطن وحده ملقىً به في قافلة الجُرْح المستديم، فيما روحه معلّقة فوق أسنّة الرماح. أصبح اللبناني خاليَ الوفاض من كل رقم يحميه أو يُطعمه أو يجعله كريماً عندما يحين موعده مع التراب. 
أخبار ذات صلة