بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

16 حزيران 2023 12:00ص نملٌ في دمي!

حجم الخط
عن النّمل سأحدّثكم. عن كائنات لا تُلحظ حياتها تحت أقدامنا. بيْد أنّ حياتها عظيمة. فجأةً انتبهت إلى صف طويل من النّمل الأسود الصغير يقطع عليّ الرصيف العريض ويقود إلى شقّ في الباطون اتُّخذ مسكنا ومخزنا للطعام. كانت خيوط الغروب قد تتمدّدت في عروقي المجهدة واستطالت عندما لاحظت أنّ هذا العالم غير المنظور يعجّ بالنشاط والحيويّة. نمل عامل يتحرك صعودا ونزولا من غير توقّف، وقد بدا لي أنّ كل واحدة منها تحمل مؤونة تضعها في مكانها المخصّص لها ثم تعود إلى غيرها بلا كلل. التعلّم من النّمل شيء قد خبره قادة وعسكريون كبار في التاريخ. الإصرار وعدم الاستسلام والصبر على المشقّة خصائص يمتاز بها النّمل بينما تفتقدها مجتمعات ودول كثيرة. فمن الصعب أن تُعجز نملةً عن هدفها أو تردّها عن سعيها الدؤوب. وعندما كنّا صغارا نلهو بكل ما يتحرّك من حولنا لم تكن الحلقة المفرغة التي ترسمها أيدينا الطريّة حول النّملة بكافية لثنيها عن البحث عن مخرج. كنّا نتعب ولا تتعب النّملة، بل تتابع سيرها الطبيعي أنّى كانت النقطة التي تجد نفسها فيها. غريزة الطريق هي عنوان نجاحها الدائم. من ذا الذي يبحث عن النّملة فيه؟ إذ نميل جميعا إلى اكتشاف الفيل في داخلنا معتقدين خطأ أنّ الحجم الكبير يعني القوّة وأنّ تدمير ما حولنا تحت أقدام عمياء يمكنه أن يضيء زهرة في ظلام الركام. لكن هيهات! حبّذا لو يبحث كل واحد فينا عن نملته الصغيرة التي يحتجزها كما كنّا نفعل دائما. أن نطلق سراحها فتدلّنا على الطريق الواجب سلوكه من غير تردّد أو تراجع. أن نستمدّ من غريزتها على العمل الجماعي حياةً جديدة لنا حتى لو كان النّجاح الذي سنحصده ابتداء كوّة في حائط أو شقّا يكاد لا يرى في صخرة الواقع. التقطت صورا للنّمل ومقطع فيديو قصير. لا أدري إن كانوا أحسّوا بتطفّلي على مملكتهم. لكنّني حين غادرتها وبقيت وحدي كان نملٌ كثير يمشي في دمي!
أخبار ذات صلة