حكايا الناس

25 آذار 2024 12:13ص ورقة الألف ليرة!

حجم الخط
كم بلدا في منطقتنا تغيّرت عملته خلال الخمسين سنة الماضية؟ أعتقد أن لبنان هو البلد الوحيد الذي سيتصدّر الجواب عن هذا السؤال المصيريّ. إذ إن تغير العملة تماما في فترة زمنية قصيرة نسبيا، مؤشر على اضطراب كبير قد هزّ البلد، وأوقعه من مكان مرتفع إلى مكان منخفض أي بعبارة أخرى انحدر به إلى أسفل. لماذا على اللبنانيين أن يدفعوا هذا الثمن الباهظ من حياتهم وأعمارهم وثرواتهم، فينتقل ذلك الحمل الثقيل من كاهل جيل إلى كاهل جيل آخر؟ ألا يُدمر هذا الانقلاب المستمر في معيشة الناس، وأخذهم على حين غرة من حال إلى حال أسوأ منه، فكرة الدولة في النصوص والنفوس وعلى الأرض؟ حصل ذلك مرّات عدة منذ ثمانينيات القرن الماضي، وها هو يتكرر في مفتتح القرن الجديد.  
صحيح أن اللبنانيين يتألمون، ويتذمرون، ويسخطون على ما أصابهم ويُصيبهم كل عام، مثل أي شعب آخر، لكنّ ما يُميّزهم هو أنهم سرعان ما يتأقلمون ويتكيّفون ومن ثم ينسون ما قد جرى لهم وعليهم، وكأن شيئا لم يكن. فهم في الواقع عاجزون عن تحويل غضبهم إلى فرصة حقيقية للتغيير مهما بدا أحيانا أنهم مستعدون لتحريك عقارب الزمن في هذا الاتجاه. كان حسابي 150 ألف ليرة ثمن "منقوشتين" في أحد الأفران الرمضانية. وجدت 140 ألف ليرة في جيبي، وبقيت عشرة آلاف ليرة جمّعتها من ورقة الألف ليرة الزرقاء الصغيرة.  قدمتها للرجل فأعاد لي أوراق الألف ليرة كلها قائلا لي: هذه لم تعد صالحة للدفع. أجبته بقليل من الحنق: كيف ذلك؟ سأُخبر إذن الدولة غدا بأنكم ترفضون التقاضي بالعملة الوطنية. 
قال لي: حتى مصرف لبنان لم يعد يقبل بها. عندنا آلاف من هذه الورقة ولا نجد من يقبلها من المصارف. استغربت كلامه وسكت عنه. ثم أعطيته ورقة المئة ألف لكي يقتطع منها عشرة آلاف. قلت في نفسي: الآن ورقة الألف وغدا أوراق أخرى غيرها سوف تسقط من عملتنا المأسوف عليها باللعنات!
 

أخبار ذات صلة