صحافة أجنبية

5 كانون الثاني 2024 12:01ص أيّ دور ‏للفلسطينيين في قوات حفظ السلام في غزة ما بعد الحرب؟

حجم الخط
‏ ديفيد اغناشيوس

‏مع السنة الجديدة في غزة الغارقة بالدماء، يجب على إدارة بايدن حثّ إسرائيل على مواجهة الواقع: لا توجد نهاية لهذه الحرب دون أن تتطلب قوة أمنية فلسطينية للمساعدة في الحفاظ على النظام في غزة بعد الإطاحة بحماس.
‏من أين ستأتي هذه القوة الفلسطينية في مرحلة ما بعد حماس؟
‏الإجابة الواضحة هي أنه ينبغي استخلاصها من آلاف الفلسطينيين الذين يخدمون فيما يقرب من ست منظمات أمنية تخضع الآن للسيطرة الاسمية للسلطة الفلسطينية.
‏فالسلطة غير كفوءة وفاسدة، لذا فإن هذا ليس خياراً مثالياً، كما تتهم إسرائيل، بحق، السلطة الفلسطينية لقيامها بعمل ضعيف في الحفاظ على القانون والنظام في الضفة الغربية، لكن السلطة، على الرغم من كل عيوبها، توفر أفضل جسر لقوة حفظ السلام الدولية في غزة بعد الحرب، بدعم عربي، وللسلطة أنصار في غزة يحتقرون حماس، لكنهم بحاجة إلى المساعدة، وليس المزيد من القنابل.
‏وهذا التحدي - المتمثل في تمكين وتدريب قوات الأمن المستمدة من السلطة الفلسطينية - هو التحدي الذي يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقاومته، لكن مسؤولي إدارة بايدن لا يرون أي طريق جيد آخر للمضي قدما؛ وهم يحثّون إسرائيل على مواجهة هذا التحدّي قبل أن تتفاقم المذبحة في غزة ويصبح فراغ السلطة المستقبلي هناك مستحيلاً على أي شخص أن يملأه.
‏إن الصعوبة التي تواجهها إسرائيل في التفكير بوضوح بشأن الأمن المستقبلي في غزة تشكل مثالاً على الفشل الأوسع في عملية صنع القرار السياسي في إسرائيل بعد أن دخلت البلاد في الحرب بعد الهجمات الإرهابية الوحشية التي شنّتها حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وقد أخبرني بعض الإسرائيليين البارزين سراً لأكثر من شهر أن يجب على الولايات المتحدة أن تضغط على إسرائيل لاتخاذ خيارات حكيمة بشأن هذه الحرب لأن نتنياهو يبدو غير قادر على اتخاذ هذه الخيارات بنفسه.
‏والحقيقة هي أن مستقبل الأمن الفلسطيني في غزة يبدأ بتحسين مستوى قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية، وهنا تستطيع هذه القوى، المستقلة عن حماس، أن تتعلم كيفية حماية الفلسطينيين، حتى عندما تتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة والحكومات العربية المعتدلة.
‏في الواقع، هذا ما تفعله قوات الأمن التابعة للسلطة بالفعل في جزء من الضفة الغربية - ليس بشكل جيد دائماً ولكن مع السلطة القانونية للتصرف وبعض القادة الأكفّاء وذوي الخبرة.
‏وعلى الرغم من أن القليل من الأميركيين أو الإسرائيليين يدركون ذلك، إلّا أن الولايات المتحدة ظلت تفكر في مشكلة بناء قوات الأمن الفلسطينية لأكثر من عقد من الزمان.
‏في عام 2005، أنشأت الولايات المتحدة «منسقاً أمنياً» في القدس بتفويض صريح «لتطوير قوة أمنية قادرة وفعّالة ومستدامة» للفلسطينيين، ومن خلال العمل مع إسرائيل، «للمساعدة في إنهاء العنف» من خلال هذه القوة، ويرأس هذا المكتب الآن أحد المحاربين القدامى ذوي الخبرة في أفغانستان، وهو قائد سابق للواء في الفرقة 82 المحمولة جوا، الفريق مايكل فينزل.
‏يوضح تعدد الأجهزة الأمنية تشابك المسؤولية داخل السلطة، وقد تم تدريب بعض الوحدات، مثل الحرس الرئاسي وأجزاء من جهاز المخابرات العامة، بشكل جيد من قبل وكالة المخابرات المركزية والجيش والمخابرات الأردنية.
‏المشكلة هي أن سلطتهم كانت ضيقة للغاية، حيث اقتصرت سلطتهم في الغالب على ما يسمّى «المنطقة أ» في الضفة الغربية، والتي تضم المدن الكبرى مثل الخليل ورام الله ونابلس وجنين، ولكنها لا تمثل سوى 18% من إجمالي المساحة الإجمالية للإقليم.
‏تحتاج هذه القوات، لتطوير القيادة والمهارات التي ستحتاجها قوات الأمن في غزة - والضفة الغربية - الى تواجد أوسع، ودعوة من وزارة الخارجية الاميركية صراحةً إلى الانتقال إلى «المناطق التي أخلتها قوات الدفاع الإسرائيلية، بما في ذلك المنطقة ب»، التي تربط المدن الكبرى في الضفة الغربية وتمثل 22% أخرى من الضفة الغربية.
‏يتفهّم مسؤولو إدارة بايدن الحاجة إلى مثل هذا التوسّع، لكنهم كانوا حذرين من الضغط على إسرائيل المحاصرة ولكنهم يجب عليهم الضغط بقوة أكبر الآن.
‏يشير مارتن إنديك، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل مرتين، إلى أن السلطة الفلسطينية تقدّم رواتب لنحو 19 ألف من أفراد الأمن في غزة منذ سيطرة حماس على السلطة في عام 2007 «لا يمكن للمرء إلّا أن يتخيّل الحالة التي يعيشونها، لكنهم يمثلون حالة من الفوضى»، وقال إنديك: «إننا نتطلع إلى تشكيل كوادر من القوات الموالية للسلطة الفلسطينية التي يمكن تدريبها ونشرها للحفاظ على القانون والنظام في قطاع غزة».
‏وقال إنديك إن الشريك الطبيعي لتدريب قوات الأمن في غزة سيكون مصر، «لأنها تعرف التضاريس الأمنية عن كثب»، ومن خلال توليها هذا الدور، ستعمل مصر على زيادة العمل الذي قام به الأردن منذ عام 2005 في تدريب وتوجيه قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية.
‏الوقت ينفذ، وما لم تتمكن السلطة من العمل عبر مساحة أوسع من الضفة الغربية والبدء في التدريب للقيام بدور مستقبلي في غزة، فلن تحظى بثقة الفلسطينيين أو الكفاءة لتكون شريكاً قوياً لإسرائيل.
‏يتطلب خروج إسرائيل من غزة أيضاً اتخاذ إجراءات صارمة ضد العنف الذي يمارسه المستوطنون المتطرفون في الضفة الغربية.
‏كانت إدارة بايدن تحثّ إسرائيل على تأديب المستوطنين خلال العام الماضي، لكن حكومة نتنياهو، التي لها جذور قوية في مجتمع المستوطنين، عارضت ذلك في كثير من الأحيان.
‏لقد سئم بايدن أخيراً - واتخذ خطوة أحادية الجانب هذا الشهر بإعلان حظر على تأشيرات الدخول الأميركية للمستوطنين الذين ينخرطون في أعمال العنف وعائلاتهم.
‏ربما يكون للحملة الرامية إلى كبح جماح المستوطنين المتطرفين حليف غير متوقع، وهو اللواء الإسرائيلي يهودا فوكس، رئيس القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي، التي تشرف على الضفة الغربية.
‏أثار فوكس غضب منتقديه اليمينيين عندما وصف الهجوم الانتقامي الذي شنّه المستوطنون على بلدة حوارة الفلسطينية في فبراير/شباط الماضي بأنه «مذبحة»، ويشعر المستوطنون أيضاً بالغضب من قيامه بتفكيك «البؤر الاستيطانية» غير القانونية التي غالباً ما تتحول إلى مستوطنات.
‏نشر أحد الناقدين المؤيدين للمستوطنين على موقع اكس، تويتر سابقا، صورة كاريكاتورية لفوكس في صورة هتلر في سبتمبر/أيلول زاعماً أن «يهودا فوكس يتصرف مثل الديكتاتور».
‏يجب على إدارة بايدن أن تدرك أن كبار قادة الجيش الإسرائيلي يعارضون العنف الذي يرتكبه المستوطنون المتطرفون ومضايقات قوات الأمن الهشّة التابعة للسلطة لأنها تزيد من صعوبة الحفاظ على النظام في الضفة الغربية - وفي نهاية المطاف، إنشاء نظام مستقر بعد حماس في غزة حيث سيتم احترام حقوق الفلسطينيين وأمنهم، فالجيش الإسرائيلي لا يريد حربا لا نهاية لها.
‏لقد أدّت حملة نتنياهو المتواصلة ضد حماس إلى تحطيم غزة، ويبدو أنه ليس لديه أي فكرة عن كيفية إعادة تجميع القطع مع بعضها البعض - أو حتى الاهتمام بما يحدث للفلسطينيين هناك، ولدى الولايات المتحدة خطة لليوم التالي، حتى لو لم يكن لدى نتنياهو خطة، وينبغي له أن يبدأ في الاستماع - أو يواجه احتمال استبداله قريبا.

عن صحيفة «واشنطن بوست»